(1)
لا أظن أن هنالك شيء في هذه الحياة أكثر إغاظة من نظام الامتحانات، واعتقد أنها الشيء الوحيد الذي لا يحبه أحد، وإذا وجدت ابن آدم ما يجب الامتحانات؛ ده أكيد يكون عندو خلل، وأعتقد أفضل طريقة لمنع التلاميذ من الغش في الامتحان؛ هي إلغاء نظام الامتحانات من أساسه، أو إن كان لابد منها؛ فـ لتكن أسئلة الامتحان على طراز:
- اكتب سؤالين وأجب عنهما بإيجاز.!
فـ التلميذ يتعلم أساسيات الغش من أجل الامتحانات، وبعدها يجد الطريق سالكة أمامه، ثم يحلو له الغش، فـ يغش في الامتحان، وفي غير الامتحان، وأسئلة الامتحان أحياناً تكون تعجيزية، وفي الجامعات بالذات أحياناً يأتي الدكتور أو البروف بسؤال أو مسألة يعرف تماماً أنه لا حل لها بتاتاً، وذات مرة وضعها لنا أحد الدكاترة واضحة حينما وزّع لنا أوراق الامتحان وقال أن المسألة الأخيرة هذه لا يحلها في البسيطة كلها إلا سيادته، وأن علينا أجر المحاولة، وعليه أجر خصم درجاتها من النتيجة.!
(2)
قد يسأل سائلا: إذا تم إلغاء نظام الامتحانات، ما البديل لتمييز التلاميذ وإعطاء الدرجات؟ كيف يتم تصنيف هذا تلميذ موهوب ومجتهد، وذاك حظه من العلم كـ دقيق استرالي مقشور، فوق شوك نثروه، وفي أثناء كتاحة شديدة، قالوا لأولاد الحلة الشفوت تعالوا لقّطوا الدقيق ده.!؟
توجد بعض الدول المتقدمة، وبعض الولايات في أمريكا لا تُطبق في مدارسها وجامعاتها نظام الامتحانات بتاتاً، وتعتبر أن الامتحان ده عواليق ساي وما منو إى فائدة، ولا تضعه المؤشر الحقيقي لقدرات الطالب، بل وتعتبره يقيّد ويخنق الكثير من المواهب والملكات المدفونة في أعماقه، ولا يشجعه على أن يأتي بجديد، ويعوّده على نمط الإجابة الواحدة، التي إذا حاد عنها فمصيره الفشل الذريع، وأتت بنظام جديد، وألغت النظام الذي يعتمد على منهج تعليمي يقوم على الحفظ والتذكر والتلقين، ولا يشجع على الإبداع، نظام الإجابة القطعية مثل (أجب بلا أو نعم)، (ضع دائرة حول رقم الإجابة الصحيحة)، بل وغيّرت النمط التعليمي بـ أكمله وقالت أن أسلوب الحفظ والتفريغ يخلق نسخاً متشابهة، وأنماطاً متطابقة تفتقر إلى التميز والتفرد.!
(3)
صدقاً لحديثهم هذا أن من يُراجع إجابات أوائل الفصول في الأساس والثانوي، بل وحتى في الجامعة، والدراسات العليا؛ يجدها نسخة كربونية منسوخة عن سابقيهم من الأوائل بتبادل المذكرات، أو من بعضهم بتبادل (البخرات)، وكثير منهم يخرجون إلى المجتمع بفهم واحد، ورؤية واحدة، لأن المسيرة التعليمية كانت من البداية هي استسلام لمقرر دراسي واحد، ثم تعاطيه كما هو، واسترجاعه يوم الامتحان، والامتحان نفسه تكون البراعة فيه هي استرجاع المادة المحفوظة كما هي، بغير إضافة أو تعديل أو نقد أو تخيل، لأن العملية التعليمية كانت من البداية هي حشو أدمغة التلاميذ بالمقررات، مع تضييف مساحة التفرد عندهم.!
صحيح أن مقرراتنا لا تسمح بـ التفرد، فمن المُحبذ أن يقوم بهذه العملية المعلم أو المعلمة في الفصل، أن يشجعوا ويفسحوا الفرصة للتلميذ أن يأتي بشيء من عنده ولو خارج إطار المقرر، والتلميذ ليس صغيراً على أن يأت بجديد رأي أو فكرة، فإذا سألت التلاميذ عن آرائهم في المقررات الدراسية التي يدرسونها؛ ستسمع منهم الكثير، وسيدهشك ما سيبدونه لك من نقد ورأي . !
(3)
بعد كل هذه الإطالة ما هو هذا النظام الذي يستحق أن يكون بديلاً عن نظام الامتحانات؟ بعض الخبراء أعطوا إجابات كثيرة، وأسلمها أن ندخل بعض التغيير في العملية التعليمية، نبدأ بـ غرس روح الفريق في التلاميذ، بعض الدول في مدارسها يقوم المعلم بتقسيم الفصل إلى مجموعات صغيرة، يعهد لكل مجموعة منها بدراسة موضوع أو مسألة معينة تكون موضوع الحصة أو المحاضرة ذاتها، ثم يعودون بعد انتهاء الواجب لتقديم أحدهم نيابة عن المجموعة لتقديم خلاصة الجهد المشترك، وهو ما يعرف بـ (السمنار)، فـ بدلاً من أن يكون هنالك تلميذ يتلقى وأستاذ يشرح؛ أصبح تلميذ يُلقى محاضرة، والبقية يتفاعلون معه، وهنا يبرز الفارق الكبير بين دور المتلقي الذي ينتهي بامتحان يتحمل فيه كل تلميذ نتيجة عمله، وبين العمل الجماعي الذي يتأصل في التلميذ منذ الصغر، ويعتاد عليه وعلى نتائجه، ففشل الفرد هنا يعتبر فشل مجموعة، ونجاح المجموعة يتوزع على الكل، لذا تجد أن التلميذ في كوريا واليابان والصين وبعض الدول التي تقدمت في السنوات الأخيرة؛ تجده ينمو فيه الشعور بتحمل مسئولية الفريق منذ تلمس خطواته الأولى في الدراسة، بل وفي مرحلة مثل (الروضة ( ، وعندما يرتقي إلى المدرسة يتم تدريبه على إنتاج المعرفة بدلاً من أن يكون مستهلكاً لها فقط!
أتمنى أن يلحق أولو الأمر طلائع هذا الجيل وحثّهم على أن يأتوا بجديد، فـ الفارق الحقيقي بين الدول المتقدمة والمتخلفة يكاد يتفرع من هذه النقطة.!
(4)
أحد أساتذة اللغة العربية يدعى (بشير) صحح أوراق امتحان البلاغة، ووجد ورقة طالب خالية إلا من هذه الأبيات:
بشير قل لي ما العمل .. واليأس قد غلب الأمل ْ
قيل امتحان بلاغـة.. فحسـبته حان الأجلْ
وفزعتُ من صوت المراقب إن تنحنح أو سعلْ
يجول بين صفوفنا ويصول صولات البطلْ
أبشـيرُ مهلاً يا أخي ما كُل مسـألة تُحلْ
فمن البلاغة نافـع .. ومن البلاغة ما قتــلْ
قــد كنت أبلد طالب .. وأنا وربي لم أزلْ
فإذا أتــتك إجابـتي فيها السـؤال ولم يُحلْ
دعها وصحح غيرها والصفر ضعه على عجلْ!
ونسبة لأنه حطم الرقم القياسي في الجِرسة، منحه الأستاذ بشير الدرجة الكاملة في البلاغة.!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق