الخميس، 7 يناير 2010

في ضيافة ست الودع

(1)

في ذلك اليوم طرق طارق باب بيتنا، ذهبت لأفتح الباب فوجدتها امرأة ما بين الخمسين والسبعين، عرّفت نفسها بأنها (ست ودع)، وطلبت مني أن أخبر أهل البيت إن كانوا يريدون رمي الودع، بما أنني في ذلك الوقت كنت عديم موضوع قلت لها:

- تعالي هنا ده أنا ذاتي دايرك ترمي لي الودع.!

بالطبع أنا لا أؤمن بهذه الخرافات ولا أصدقها، ولكن طلبي كـ نوع من حب الاستطلاع لا أكثر، جلست معها أنا وأخي التوأم – أسرّ الله باله- وطلبنا منها أن ترمي لنا الودع.!

أولاً بـ التبادي المرأة الحيزبون طلبت منا (البياض)، وهو مبلغ صغير يدفع لـ الوداعية لتسهل لك الأمور، وحتى أخرج من مسألة حرام وحلال، فقلت لها صادقاً إذا أعطيتها بياضاً سينتج عن هذا رد فعل عكسي يضطرني في الغد للذهاب لعملي (كداري)، فاستسمحتها أن ترمي لنا بالدَيْن!!.. فوافقت على مضض.!

(2)

× الرمية الأولي:

رمت حبات ودعها فتناثرت في شكل غير منتظم فحدقت فيها، ثم حدقت فينا ملياً وقالت لنا:

- إنت وأخوك ده قاعدين مرات .. مرات تلبسوا من بعض .. وواحد فيكم ما راضي من العملية دي!

فقلت لها: فعلاً .. وهذا الشخِصْ – وأشرت لأخي- أحياناً يلبس أقمصتي المكوية .. مما يضايقني ويجعلني أكاد أشتكيه لمجلس الأمن.!.

هزت رأسها بانتصار، في حركة يمكن ترجمتها إلى:

- ما قلت ليكم الودع ده ما بكضب يا أولاد.!

(3)

× الرمية الثانية:

بعد أن كشكشت الودع في يدها، رمته بحركة سريعة، ثم قالت بعد أن فكرت عميقاً:

- واحدة من نسوان الحلة الحوامل حـ تلد في الأيام دي!!.

حدقت فيها بدهشة، ثم قلت لها بحنق:

- حاولي ركزي شوية يا ولية في دائرة اختصاصنا أنا وأخوي الكاشف ده .. مالنا ومال النسوان الحوامل في الحلة.!

فدافعت عن نفسها بأن الودع أتى هكذا، وليس لها يد فيه، وعندما نظرتُ لحبات الودع لم أجد فيها ثمة ما يدل على امرأة حامل، وقلت نصبر شوية لعله يأتي الفرج!.

(4)

× الرمية الثالثة:

قالت كلام بما معناه: أنا وأخي أحياناً لا نتفق في الرأي، ولكن نرجع لنتفق سريعاً.!

احترتُ واندهشت من هذا الودع الذي لا يأتي بجديد، فاختلاف الرأي الذي لا يفسد للود قضية يحدث كثيراً بين كل أخوين، ولا يحتاج لودع ولا غيره، فأنا وأخي نختلف في أشياء ليست محورية، مثل كمية الزيت التي من المفترض أن تُصب على الفول، أو في كيفية أكل العصيدة باليد أم بالملعقة، وده اختلاف ما داير ليهو دق نُقارة!.

(5)

× الرمية الرابعة:

بعد أن رمت حباتها، أمعنتْ فيها النظر هذه المرة بتركيز، ثم حدّقتْ فيّ وقالت بلهجة فخمة:

- والله بختك جاياك قروش كتيرة .. لمن ما تعرف تسوي بيها شنو!

فقلت لها بحماس: الله أكبر، وأضفتُ:

- أيواا ده الكلام الصاح .. القروش دي كم؟ وجايا متين؟

رمت الودع مرة أخرى وقالت:

- القروش بتجي بعد خمسة.!

قال أخي بنفاذ صبر:

- خمسة شنو يا حاجة؟ خمسة أيام .. خمسة شهور .. كدي حددي أكتر.!

قال الوداعية:

- القروش بتجي بعد خمسة.. لكن ما معروف خمسة شنو؟

فهمت منها أن هذا الودع ليس له سقفاً زمنياً محدداً، احتمال خمسة شهور.. خمسة سنين .. خمسين سنة، خمسة قرون، يعني إنت وحظك.!

أصابني الإحباط من عدم دقة هذا الودع، وكدت أقول لها أن هذا الودع لعله ليس من النوع الأصلي، ولكن لزمت الصمت لأرى ما تدخره لنا الرمية القادمة.!

(6)

× الرمية الخامسة:

هذه الرمية كانت عجيبة، فيها بالذات نظرت الودّاعية في الودع بإنبهار، ثم قالت:

- النسوان ديل ختّنو قرض!

قلت لها:

- ياتو نسوان ديل!

فأجابت بتعجّب:

- نسوان الحلة!!

فتعجبتُ من هذا الودع الذي (يطلع برة الشبكة)، ويلتقط بعض من ذبذبات (شمارات) الحي، وأنا نفسي أصبت بداء الشمار فـ سألتها:

- نسوان الحلة ديل قاعدات يقولن شنو؟!

قالت:

- وحات النبي ما عارفا لكن كلام كتييير!!

لم ألحح عليها ولكنني تأكدت أن هذا الودع لا يعمل بتقنية الجيل الثالث.!

(7)

الرمية السادسة:

بعد أن كشكشت الودع وتشتت الودعات في إتجاهات مختلفة قالت ست الودع بلهجة خطيرة:

- أولاد السُرّة عملوا حاجة!!

بالطبع سألتها عن (أولاد السُرّة)، وما هي الحاجة التي عملوها؟ ولكي تعرف أولاد السُرّة هؤلاء لابد تعرف أن الشخص الواحد الذي يدخل دائرة تكهنات لوحده الودع يسمى (الوحيد)، وإذا كان ثاني اثنين يطلق عليه (تاني أخوه)، وإذا أصبحوا ثلاثة تنعته بـ (تالت التلاتة)، أما إذا صاروا أربعة تسميهم (أولاد السُرّة)، وهؤلاء الأولاد في هذه الرمية مجهولي الهوية، أما (العَملة) التي عملوها فـ ست الودع لا تعرفها، فهي أخبرتنا عن أناس غير معروفين، عملوا عملة غير معروفة، أي أن هذا مجهول مبني على مجهول.!

(8)

قمت من هذه الجلسة ووضعت في نفسي أن الوداعيات مصابات بعدم الموضوع المشرّب بالنزعة الضلالية، واستغلال العامل النفسي لشخصية الجالس أمامهن، فـ الودّاعية وإن صدق قولها سينطبق عليها القول: (كذب المنجمون ولو صدقوا)!.

قلت لـ ست الودع مودعاً:

- كتر خيرك يا خالة ما قصّرتي.!

فقالت لي:

- أها يا ولدي قروشي متين.؟!

قلت لها:

- قروشك دي تعالي ليها مع القروش الكتيرة الـ قلتي بتجي بعد خمسة ما معروفة .. خمسة أيام .. خمسة شهور.. خمسة سنين .. خمسة قرون!!




0 التعليقات:

إرسال تعليق