الأحد، 10 يناير 2010

حكاية (سليمان ود نفيسة) السحّار!!

(1)

(سليمان ود نفيسة)، هذا هو اسمه الذي اشتهر به، ومن النادر أن تجد من يعرف اسم أبيه، نشأ من صغره (عينو حارّة)، كان أي شيء ينظر يلقي عليه نظرة ويعلّق عليه يسحره و(يغطس حجرو) عديل، فعينه الحارة لا تؤثر على البشر فقط، بل إمتدت للجمادات والنباتات والأنعام، حتى السيارات طالتها حرورية عينه، ومن ذكرياته عندما كان صغيراً، في عمر ستّ سنوات فقط، كان راكباً في بوكس (ود الفضل) الذي يستخدمه لتوصيل الخضار من المزرعة لسوق القرية، وفي أثناء مرورهما بشارع به الكثير من المطبات و(الدقداق) و(الكراضم)، التفت (ود نفيسة) إلى (ود الفضل) وقال له وبراءة الأطفال في عينيه:

- عم ود الفضل .. عربيتك دي لساتكا مُربعة وللا إنتَ ماشي في لوح زنكي؟

ومن ذلك اليوم البوكس ما (ضاق عافية) مرة (كاسر كرونة)، وتارة (ماكل تروس)، وأحياناً (قادي لديتر)، أخيراً (الشاسيه) انكسر و(المكنة سيّحت)، وأضطر (ود الفضل) الي استخدام الكارو والحمار لتوصيل الخضار للسوق وهو يلعن اليوم الذي ركب معه هذا الولد، هذه الحادثة عندما كان (ود نفيسة) طفلاً، وعندما كبر قليلاً تنامت معه موهبته في حرارة العين إلى درجة لا يمكن السكوت عليها بتاتاً.

(2)

في احد الأيام دخل (ود نفيسة) منزل عم (محمود) سيد الدكان المشهور في البلد، الذي كان لديه طفلاً صغيراً يحبو، (حاجة فاطنة) زوجة (عم محمود) حرّسته البيت، وأوصته على الصغير ريثما تذهب لجلب شيء من الجيران، غفل (ود نفيسة) عن الطفل دقائق، فحبَى الأخير لخلف الزقاق، حضرت أمه وسألته:

- ولدي وينو يا ود نفيسة؟

فأشار لآثار حبو الطفل وقال لها:

- يا حاجة فاطنة تابعي درب التركتر ده طوالي بتلقيهو في نهايتو!!

تقصّتْ الأثر فوجدت طفلها غاطساً في (البلاّعة) حتى أذنيه، ولو لم يُسْعف سريعاً لودّع الحياة الدنيا إلى غير رجعة، وكل هذا بسبب عين (ود نفيسة) الحارة، الذي صار صبيّاً واشتهر في القرية بسحره، واشتهر بأنّ تعليقه (ما بقع واطة)، وصار الكل يفرّ منه فرار الغزال من النمر، خشية أن تطالهم أحد تعليقاته التي تؤدي مفعولاً سريعاً، وإذا أصابت أي ابن آدم لن تطل سلامته وستلحقه (الودّعو ارتحلو وشالو الهنا ورحلوا)، حتى أن البعض صار يدفع له نقوداً كاش وينال منه وعداً بأن يتركه في حاله، فيقبض منه (ود نفيسة) وهو يقول له مبتسماً في خبث:

- أرقد عافية يا زول .. ما بتجيك تاني عوجة.!

(3)

(ود نفيسة) كان لا يترك شخصاً في حاله، حتى الطير في السماء لم يسلم من عينه الحارة، وذلك عندما كان يتجول في حواشة (حاج موسى ) رأى طائر (ود أبرق) يعتلي قندول ذرة ليلتقط له حبات تسد رمقه، نظر إليه وقال:

- عاين ود أبرق ده عامل زي الكهربجي البصلح في العمود!!

وبعدها بثوانٍ وقع الطائر ميتاً أثر عين حارة لم تمهله طويلاً، وحواشة (حاج موسى) كذلك تأثرت بجانبٍ من (حرورية) العين، فـ في اليوم التالي مباشرة هبط عليها سرب من الجراد من فصيلة (ساري الليل) إختارها من دون الحواشات، فقضى عليها كلها، ولم يترك فيها ولا حبة ذرة واحدة.

(4)

هكذا صار ود نفيسة السحار أخطر رجل في القرية، على الرغم من أنه نحيل الي درجة أن (كتاحة) خفيفة يمكن أن ترميه على الأرض، إلا أن أعتى الرجال وأضخمهم وأطولهم شنباً كان يهابه، الكل يخافه ويترك له الطريق إذا رآه من بعيد.

تطورت قدرات (ود نفيسة) إلى مراحل خطيرة، في ذلك اليوم الخريفي، تجمعت السحب السوداء حتى حجبت الشمس منذرة بهطول أمطار غزيرة ينتظرها الجميع لريّ زراعتهم التي كادت أن تذبل من العطش، نظر (ود نفيسة) للسحب وقال:

- يا جماعة كدي عاينو السحابة دي شايلة كيف .. يعني هسّع كان الغنماية رفعت قدومها ممكن تشرب!

شهود عيان أكّدوا أنه لم تمض دقائق حتى تفرقت السحب وعادت من حيث أتت وسطعت أشعة الشمس التي كانت مختفية خلف الغيوم، ولم تهطل الأمطار إلا بعد أن صلوا لها صلاة الاستسقاء.!

(5)

استفحل أمر (ود نفيسة)، حار الجميع في أمره، فإتفق رجالات القرية سراً على أن يجتمعوا تحت (شجرة العمدة) ليقرءوا عليه –غيابياً- سورة البقرة عشرين مرة، حتى يحرقوا ذلك الشيطان في جوفه، وحدّدوا صباح يوم الجمعة بأن يأتي كل واحد بمصحفه ليقوموا بهذه المهمة، على ألاّ يشمّ (ود نفيسة) الخبر، لأنه لو عرف بهذا سيكون إننتقامه رهيباً، وهكذا تفرقوا على هذا الموعد، أتى يوم الجمعة سريعاً، تجمعوا كلّهم تحت (شجرة العمدة)، وقبل أن يقولوا بسم الله، هبط عليهم (ود نفيسة) من فوق الشجرة، لا أحد يعرف كيف سمع بالخبر، ولكن هذا ما حصل، وما إن رأوه، حتى تأكدوا تماماً أن (واطاتهم أصبحت)، وبحلق فيهم بتشفي وهم يرتجفون، وقال لهم مخاطباً:

- دايرين تنزلوا عليّ سورة البقرة عشرين مرة.. دي آخرتا .. يعني أنا شيطان.. ينزل فيكم النّزل في حمار (قسم السيد)، عاملين كده زي الشكلوتات.!

أطلق كلامه وذهب، لا أحد يعرف ماذا حلّ بحمار (قسم السيد)، ولكن عندما أشرقت شمس الصباح، تم نقل (ود الفضل) الخضرجي إلى مستشفى المدينة بعد أن ظهر لي سكري فجأة بدأ بصدمة كادت توفّيه، أما (شيخ مكي) إمام الجامع أصيب بـ (البُرْجُم)، وانطلقت فيه (كاروشة) فـ صار يحك جلده بالطوب الأحمر، (محجوب) سيد الدكان، احترق دكان وعضّه كلب سعران في رجله، طعنوه عشرين حقنة سعر في بطنو، تبقي (عم فضل) سيد الطاحونة، لم يظهر عليه أي شيء، ولكن تحت .. تحت.. قالوا أنه مرات بضحك برااااهو!!.

0 التعليقات:

إرسال تعليق