الأحد، 10 يناير 2010

ونسة شبابية تحت شعار: كُنْ أغبَشاً..!!


(1)

الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، كان يتصفح إحدى المجلات الخفيفة، فوجد فيها مسابقة نظّمتها المجلة لأكثر شاب له عينان جريئتان! لقد كانت الصفحة تعجّ بالأوغاد الذين يسبّلون عيونهم في هيام، فما كان من الرئيس إلا وأن أمر قوات الأمن بإحضار كل هؤلاء الزناديق، وحلاقة شعرهم صلعة، وتجنيدهم ثم إرسالهم إلى الجبهة بدون نقاش.!

الذي ذكّرني هذه القصة هو أن بعض الشباب -من بني جلدتنا- هذه الأيام، صاروا يفعلون بشعورهم ومظهرهم أفاعيل عجيبة، وبعضهم كسّر تلك القواعد القديمة، التي من المعروف ومنذ قديم الزمان أن الولد من المفترض أن يكون خشناً، وأن النعومة للفتيات فقط، وهذه كانت ثوابت لا يناقش فيها أحد.!

أما في هذا العصر، عصر العولمة والانفتاح الحُر، كثرت الأشياء المشتركة بين البنين والبنات، بل وأنّ هنالك أشياء كانت مقتصرة على البنات فقط، إلاّ أن الأولاد بدءوا يزاحمون فيها الفتيات، وأهونها استعمال الكريمات، نعم هنالك بعض الشباب يتمسّحون، وتجد في دولاب أحدهم مجموعة لا بأس بها من مستحضرات التجميل، وأذكر أنني ذات يوم دعتني الظروف للمبيت مع أحد الزملاء، أشرقت شمس الصباح، وقبل أن نخرج للذهاب إلى الجامعة أحضر لي ما يقارب الخمسة علب، مختلفة الألوان والأحجام، أمسكت أوّل واحدة وقلّبتها بين يدي بتعجّب وقلت له:

- ده شنو يا أخوي؟

- ده كريم مرّطب للجسم!

- سبحان الله.!

تناولت علبة أخرى عريضة المنكبين وقلت له:

- أها ودي تطلع شنو؟

- ده مُثبّت شعر.!

- والله ما شاء الله .. أها والصُباع ده شنو ما أظنو معجون أسنان؟!

ضحك متعجّباً من جهلي وحماقتي وأجاب:

- ده كريم مخصص لشقوق الأرجل.. وإنت جاي من وين يا اخوي ما بتعرف الحاجات دي؟

أمرته أن يرفع هذه الخزعبلات من أمامي، وقلتُ له أنني من سلالة لا تتمسّح بتاتاً، أما شقوق الرجلين دي والله مرات بنفاخر بيها عديل، وحكيته له قصة ود جيراننا عندما كنّا صغاراً، قبضه والده بعد رجوعه من المدرسة وفي وجهه لمعة زيت جعلت وجهه صقيلا لامعاً، صفعه الأب على خدّه صفعة مدويّة وقال له بغضب:

- كمان بقيت تتمسّح زي البنات يا ولد يا خايب؟

وبما أنه كان من نوع الآباء الذي يضرب أولاً ثم يسمع الأعذار فيما بعد، فقد عرف لاحقاً أن ولده بعد أن أكل طعمية من (حاجة صفيّة) الفرّاشة بالمدرسة، لم يجد مكاناً يمسح فيه زيت الطعمية سوى وجهه الأغبش.!

(2)

ومن المظاهر الغريبة التي تراها عند بعض الشباب هذه الأيام ظاهرة (برم الشعر) وفلفلته، والله أنا الذي أعيش وسطهم حتى الآن أحتار في تلك الطريقة المعقدة التي يبرم بها أي ولد صوف رأسه ويجعله مثل الياي، ولكن حكى لي فاعل خير أنه يعرف طالب جامعي يستيقظ من آذان الفجر الأول، ويقوم ببرم أي خمسة صوفات مع بعضهن، ومع سطوع الشمس يكون قد انتهي من برم كل شعره، وهو يقوم بهذه الإنجازات كل يوم، احترتُ في هذا الفتى، فهذه العملية من الممكن بسهولة اعتبارها ضمن أساليب التعذيب الحديثة.!

نعم من حق أي شاب أن يعترض ويقول:

- أنه شعري وأنا حرّ فيه، على كيفي أبرّم تفّتي أو لا أبرّمها، على كيفي، أصبّغها أزعمطها، على كيفي.!

ولكن السؤال هو: لماذا؟ هل لـ لفت الأنظار؟ إذا كان هذا مراده، فالأفضل أن يلفت الأنظار إليه بشيء جميل، مِثلَ أن يكون مُبدعاً في مجال ما، أن يكون مُجتهداً في دراسته، أن يكون مُثقّفاً، أن يخترع شيئاً جديداً، هكذا يكون قد لفت إليه الأنظار بشيء مفيد، إن كان هذا مقصده، ولكن أن يأتي بمظهر جديد، لم تستطعه الأوائل، فهذا سيجلب له نظرات السخط والاشمئزاز أكثر من الإعجاب، وهو بهذا خسران أكثر من كونه رابحاً.!

ومع برم الشعر أحياناً تجد نفس الشاب يلبس ذلك البنطلون (الناصل)، الذي أتمنى أن يمتد بي العُمر حتى أعرف التقنية التي يستخدمها لابسه، والتي تجعله لا يقع على الأرض، فثبات بنطلون بهذه الطريقة يعتبر من الظواهر الكونية النادرة، وإذا كان لابسه فعل هذا ليلفت إليه الأنظار، أعتقد أنه قد نجح، ولكنها أنظار استهجان وربما لعنات مصبوبة على كل شباب هذه الأيام.!

(3)

أما في الخمس سنوات الأخيرة فقد ظهر أولاد شباب -ما شاء الله عليهم- يشربون (المديدة) نهاراً جهاراً، وأمام جميع الخلائق، وأنا الأحمق المتخلّف، كنتُ أظنّ أن شرب (المديدة) شيء مخصص للنساء النفساوات فقط، حتى ألحّ علي أحد الأصدقاء ودعاني لشرب (كورة مديدة) في محل ما، تحت إصراره ذهبتُ معه خجِلاً، إذ كيف يمكن لرجل عاقل أن يشرب (مديدة)؟ وكمان في السوق، المهم، أنني توكلّتُ وشربتها، بل واستمتعتُ بمضغ تلك الأشياء التي تزخر بها (المديدة)، والتي لم أعرف حتى الآن إن كانت زبيباً أم ضفادع صغيرة؟.

ألم أقل لك أن هنالك بعض الأشياء صارت مشتركة بين الرجال والنساء، ومنها (المديدة) التي من المحتمل أن يصير شرابها في المستقبل نوعاً من الثقافة.!

(4)

لا أريد أن ألعب دور غراب البين، ولكن أعتقد أنه من الأفضل أن يُحافظ الشاب على خشونته، وألا يحاول أن يكثر من الأشياء المشتركة بين البنين والبنات، حتى وإن كنت -عزيزي الشاب- تتمسّح بحسن نية، لا تدع الأمر يصبح ظاهرة، هنالك الكثير من البلاوي الملقاة على عاتقنا –نحن الشباب- رجاء لا تزيدها واحدة، لماذا تريد أن تكون ناعماً؟ هل لبنات حوّاء دخل في الموضوع؟ إن كان هكذا فـ الدراسات أثبتت أن البنات يملن إلى الأولاد الخشنين.!

نعم .. الله جميل يحبّ الجمال، ولكن لا يحبّ التشبّه بالنساء، ليس هنالك داعٍ لأن تلبس ملابساً من النوع الذي تجعل من صاحبها وغداً بكلّ ما تحمله الكلمة، لا تحاول أن تفصل بين الظاهر والباطن، لا تقلْ أن اللبس لا علاقة له بالشخصية، فشخصية الإنسان تتأثر بلبسه، وسأعطيك عبارة سمعتها من الحكيم شيخنا، اعمل بها ولن تندم، وهي:

- (إذا صَلُح الظاهر، صَلُحَ الباطن).!

0 التعليقات:

إرسال تعليق