الأحد، 10 يناير 2010

القول النفيس في شيل العريس!!



(1)

نظراً لأن القارئ الكريم ما عندو زمن للمقدمات الطويلة، وأنا ذاتي القدامكم ده برضو ما عندي زمن، لذا أقترح أن نلج في الموضوع مباشرة بدون أي مقدمات. العريس السوداني في حفلته يتعرض لبهدلة شنيعة ومريعة، تجعله يُفكّر جاداً أن يخنق الرجل الذي قرر أن يبذُر البذرة التي نبتت منها الشجرة التي صُنع منها الورق الذي خطط فيه ذلك الرجل اختراع (الأورغن)، وبالذات إذا أنعم الله على العريس بأصحاب ممن زادهم الله بسطةً في المنكبين واتساع في الكراديس وضيق في الفهم وانعدام في النظرة الواقعية لتقييم الأمور، ما إن تبدأ الحفلة ويحمى الوطيس ويشتدّ البأس، حتى يتبرع منهم فاعل خير -من ذوي العناقر الغليدة- ويحمله على كتفيه ويجول به على جموع الحاضرين فرداً فرداً، وينزله بعد ربع ساعة مُترنّحاً وهو يمشي كـ الدجاجة المريضة، وقبل أن يحمد الله على انفراج هذه الكُرْبة، يأتي آخراً أشدّ مضاضة وعنقرته أغلد من الأول، يُمْسكه من ساقيه كـ مَسْكَةِ خروف أضحية بصدد رفعه إلى (البوكس)، فيرفعه عالياً ويدور به عكس اتجاه عقارب الساعة، وما على العريس إلاّ أن يسكت ساي ويشيل الصبر بس.!

(2)

العريس حتى وهو محمولٌ على الكتفين، يضطّر لأن يرسم على وجهه ابتسامة عريضة ويرفع ساعده مبشّراً بيده اليمنى، وبـ اليسرى يتشبّث برأس الرجل جيّداً حتى لا يقع من على كتفه كجلمود صخر حطّه السيل من عَلِ، والأنكى من ذلك وأمرّ، أن العريس أحياناً يحمله اثنان، واحد يتجه به ذات اليمين، في حين أن الآخر قرّر أن يجول به على أهل الشمال، وفي هذه الحالة لا لوم عليه إن صاح صارخاً: أنزلوني أيها التعساء المناكيد.!

وعملية حمل العريس على الأكتاف هذه مؤلمة ومملة خالص، وأغلب العرسان بعد الحفلة يكونون قد أصيبوا بشد عضلي وآلام في الحوض، وربما بخلل في المخيخ أو بـ إلتهاب في (الحيزوب)، أنا شخصياً حاولتُ نظم قصيدة في هذا الشأن بعنوان: (لعن ابليس في شيل العريس) ولكنني فشلت حقيقة، لأن استخدام حرف السين كـ قافية لهو أمرٌ عسيرٌ حقاً.! إلاّ أنني آسى كثيراً لحال العريس المحمول جواً، في بعض المرات يكون محمولاً طيلة زمن الحفلة، ويصعب الأمر عليه إذا كانت الحفلة في القرى التي تنتهي حفلاتها عندما يبدأ آذان الفجر الأول، ويُحمل العريس فيها أكثر من سبع ساعات حسوماً، وهذا يجعله يحتاج إلى علاج طبيعي لـ شهر كامل، لأن الجلوس كل هذا الزمن على عنقرة –وإن كانت غليدة- ليس بالأمر المريح على كل حال.!

(3)

أحياناً يُجبرون العريس على الرقص وهو كارهٌ له، ومن القّلةِ بمكان هؤلاء العرسان الذين يُحبّون الرقص في مناسباتهم، أنا حضرتُ 658408239 حفلة (تقريباً يا جماعة) ولم يصادفني عريس قام للرقص من ذاته نفسه، ولا ينهض من الكوشة إلاّ بفعل فاعل، وما أعرفه تماماً أن الفاعل يكون مُرفوعاً دائماً، والمفعول به منصوب، إلاّ في هذه الحالة، يكون المفعول به (العريس) مرفوعاً على الأكتاف وفي ذات الوقت منصوباً على الرقاب، والفاعل عادة يكون من أصحاب العريس سالفي الذكر، يجرّه من يديه وهو يصرخ به:

- قوم يا عريس .. القاعد ليها شنو .. إنت جاي تقعد؟

فيقوده هو وعروسه ويدخل بهم إلى حلبة الرقص التي كان الناس قديماً يرقصون فيها (المردوم) قبل اختراع رقصة (القرد).!

لا أعتقد أن العريس في ذلك اليوم لديه ما يكفي من المزاج الرائق والمعتدل لكي يرقص، ولكنه مجاملة لهذه الجماهير الغفيرة التي وقفت معه لا يمكنه أن يعترض على شيء، ولابد يمارس دور (جعلوه فانجعل)، فالعريس في ذلك اليوم يكون مُنْهكاً ومضطّرباً ومُنتظراً متى ينفضّ كل هذا الزحام ويذهب ليستريح، لست أدري لماذا لا يتركونه في كوشته ليدردش مع عروسه حتى تنتهي الحفلة، فـ عدم رقص العريس في حفلته ليس بالشيء الذي تهْتزّ له الأرض أو تفور البراكين، خصوصاً والبعض يرى أن الحفلة ذاتها لا داعٍ لها من أساسها.!

(4)

استراحة الفاصل التي يتوقّف فيها الفنان عن الغناء لفترة ما بين ربع إلى ثلث ساعة، تعتبر من أجمل وأروع اللحظات بالنسبة للعريس والعروس معاً، يريح فيها أعصابه ومفاصله ويديه التي أضناها نضال (التبشير) والهزّ، ولكن هذه ليست قاعدة ثابتة في كل الأحوال، ما إن يجلس العريس على الكرسيّ الوثير، حتى يندفع عليه المهنئين يباركون له زواجه الميمون، منهم من يشدّ على يده بقوة وشكيمة حتى يكاد أن يحيلها إلى أصابع من الموز المهروس، يدعو له بالمال والبنون وهو يحدّق في عينيه بثبات بنظرة من نوع:

- اتذكرني كويس يا عريس .. أنا (حسنين أبو حلاقيم) جيت باركت ليك العرس عشان بعدين ما تقوم تغالط ساكت.!

يتركه له يده بعد خمس دقائق من العصر الشديد حتى يجعل العريس يفكّر جاداً في ألاّ يسلمّ على مخلوق بعد الآن ما لم يكن متأكداً من رجوع يده إليه في أقرب وقت.!

0 التعليقات:

إرسال تعليق