الأحد، 10 يناير 2010

الشرطة في خدمة شعب ما عندو موضوع..!!

(1)

أمسك العقيد (مختار) ذلك التقرير الذي يوضح أن بين كل مائة بلاغ عبر الهاتف توجد ثلاثة بلاغات حقيقية، والبقية بلاغات كاذبة وفارغة وتزعج الشرطة وتضيع وقتهم، أكمل كباية الشاي على عجل ثم ذهب لقسم البلاغات الذي توجد فيه كابينات الهواتف التي تستقبل هذه البلاغات ليتأكد بنفسه صحة ما أتى في التقرير، دخل وألقى عليه بقية الضباط التحية، اتجه نحو أول كابينة وهو يقول:

- (الليلة أنا داير اتأكد من البلاغات الفارغة الخيالية الـ في التقرير دي).!!

أفسح له الملازم حسام المكان أمام إحدى التلفونات، قبل أن يجلس العقيد مختار رن جرس التلفون:

- ألو..؟؟

رد العقيد بنفسه:

- مرحباً.. معاك شرطة النجدة .. اسمك والبلاغ..؟؟

- أنا .. يعني .. البلاغ بتاعي .. أصلو مفتاح الدولاب وقع في الخور .. وبعدين ..

وضع العقيد سماعة التلفون بدهشة ونظر للملازم نظرة من طراز: (يعني الشغلانة كده).

رن الجرس التلفون مرة أخرى معلناً وصول مكالمة أخرى:

- ألو .. شرطة النجدة؟

- نعم.

- عندى بلاغ.

- اتفضل.

- الحقيقة جاتنا الليلة كتاحة وغبار وانتو كشرطة من المفترض يعني …

وضع العقيد السماعة بهدوء وهو يقول للملازم:

- سبحان الله .. يعني البلاغات كلها كده؟!!.

- نعم سعادتك .. في بلاغات بسيطة حقيقية.!

(2)

رجع العقيد مختار مكتبه وهو يضرب أخماساً في أسداس، ويفكر في طريقة يحدّ بها من سيل البلاغات الفارغة الناتجة من عديمي الشغلة والموضوع، وفي أثناء ذلك سمع طرقاً على الباب.

- اتفضل.

دخل الطارق ألقى التحية ثم قال:

- الرقيب حمدان سعادتك.

- مرحباً.

- الحقيقة سعادتك أنا عندي اختراع.!

- اختراع شنو؟

- اختراع يكشف صاحب البلاغ الكاذب بالصوت والصورة ويحدد مكانو.!

نهض العقيد من مكانه فرحاً وهو يقول:

- معقول في اختراع زي ده… ابدا في التنفيذ فوراً .. وكان الاختراع ده نجح توقع ترقية استثنائية ومكافأة كبيرة.!

ألقى الرقيب حمدان التحية وذهب.

(3)

كان حمدان يربط آخر سلك في الاختراع، ويضع عليه اللمسات الأخيرة تهيؤاً لتجربته، انتهى منه والتفت نحو العقيد قائلاً:

- الاختراع جاهز سعادتك.

نظر العقيد نحو الجهاز ذي الشاشة المسطحة العريضة باهتمام منتظراً أول مكالمة.

رن جرس الهاتف:

- ألو .. شرطة التلاتة تسعات؟

نظر العقيد نحو الشاشة فوجد رجلاً يرقد على سريره في وسط الحوش خالفاً رجله وبقربه كباية شاي وهو يطرقه أصابع رجله بمزاج.

تكلم معه العقيد:

- مرحباً .. معاك شرطة النجدة .. أي خدمة؟

رشف الرجل من كباية الشاي ثم قال:

- عندي بلاغ.

- اتفضل.!

جلس الرجل في وسط سريره وقال:

- ياخ انا اشتريت قميص من السوق .. وطلع مقاسو أصغر مني .. وبعدين ..

وضع العقيد سماعة التلفون والتفت نحو القوة الموجودة في الدورية وهو يقول في حزم:

- جيبو لي الزول ده؟

وفي أقل من ربع ساعة تم إحضار الرجل مذهولاً، حكموا عليه بغرامة مائتي جنيه، أو السجن لمدة شهر. نسبة لفلسه المدقع، اختار السجن.!

(4)

كان اختراع الرقيب حمدان يعمل كفاءة عالية، وفي شهر واحد تم القبض على الآلاف من عديمي الموضوع، وكلهم مفلسين، وكلهم تم إيداعهم السجن، ولكن…!!

(5)

أمسك العقيد مختار بذلك التقرير الذي كان مفاده: (أن النزيل في سجن البلاغات الكاذبة يكلف الدولة عشرين جنيهاً في اليوم، أي ستمائة جنيه في الشهر، في حين أنه إذا دفع الغرامة يدخل للخزينة مائتي جنيه في الشهر)، قلب الورقة الثانية فوجد مكتوب عليها تصوُّر لتوسعة سجن البلاغات الكاذبة يكلف رقماً أمامه تسعة أصفار بالتمام والكمال.!

وضع التقرير على سطح المكتب بحدة وهتف بصوت عالي:

- حمدان!!

دخل حمدان مسرعاً ألقى التحية وقال:

- نعم سعادتك.

- ما عندك اختراع تاني أصلو اختراعك الأول ده طلع معانا بالخسارة.!

- نعم سعادتك في اختراع يتلف بطارية التلفون الـ اتصل منو صاحب البلاغ الكاذب.!

- أيوة .. ده اختراع جميل .. ابدا في التنفيذ فوراً.

(6)

ربط حمدان آخر سلك في الاختراع ووضع اللمسات الأخيرة فيه تهيؤاً لتجربته، انتهى منه والتفت نحو العقيد قائلاً:

- الاختراع جاهز سعادتك.

- أبدا التجربة.

هذه المرة أثبت الاختراع نجاحه تماماً، كل صاحب بلاغ كاذب تلفت بطارية تلفونه في الحال، وبعد شهر واحد قرأ العقيد مختار التقرير وكان فيه أن البلاغات انخفضت إلى عشرين بلاغ في اليوم كلها حقيقية.تنفس الصعداء وهو يقول لنفسه:

- أخيراً حـ نقفل ملف البلاغات الفارغة دي.

(7)

بعد شهر آخر دلف الرقيب حمدان مكتب العقيد مختار وهو يلقي التحية ويقول:

- التقرير الشهري سعادتك.

أجابه العقيد بـ هدوء:

- كدي أقرا نشوف الحاصل شنو؟

- يقول التقرير: ( نجح الاختراع الأخير في تقليل نسبة البلاغات الكاذبة إلى صفر بالمائة، إلاّ أن جميع البطاريات التي تلفت لدى أصحاب البلاغات الكاذبة تم رميها في النيل، وهذه تعتبر مشكلة كبيرة.. )

قاطعه العقيد:

- مشكلة شنو يا حمدان، يرموها في النيل، في الصحراء، زاتو ارتحنا منهم.

يواصل الرقيب قراءة التقرير:

- (أدت البطاريات التالفة للقضاء على جميع الأسماك في تلك الناحية، تراكمت الأسماك الميتة على الشاطئ الذي أصبحت رائحته عفنة ولا تطاق، ازدادت اعداد الكلاب والقطط الضالة في المدينة، وارتفعت أسعار الأسماك بصورة غير .. )

يقاطعه العقيد مختار:

- حمدان؟!

- نعم سعادتك.

- ما عندك اختراع تاني؟!

- نعم في اختراع بخصم كل الرصيد من التلفون المتصل منو صاحب البلاغ الكاذب، وبخصم منو أي رصيد حـ ينزل بعداك.

- أيوااا .. ده اخترع مية المية .. خصم الرصيد ده أنا عارفو حار والفارغين ديل ما بقدرو عليهو .. ابدا في التنفيذ فوراً.

- حاضر سعادتك.

(8)

ربط الرقيب حمدان آخر سلك في الاختراع الذي يخصم كل الرصيد من تلفون المتصل صاحب البلاغ الكاذب، وطوره ليخصم كذلك كل الرصيد من أي تلفون اشتراه باسمه، وضع عليه لمساته الأخيرة تهيؤاً لتجربته، انتهى منه والتفت نحو العقيد مختار قائلاً:

- الاختراع جاهز سعادتك.

- ممتاز ننتظر أول مكالمة.

بعد حوالي خمس دقائق رن جرس الهاتف:

- ألوووووو … النجدة؟

رد عليه العقيد بنفسه:

- نعم النجدة أي خدمة؟

- آآآآ … داير أقول شنو.. فطرتو بي شنو الليلة؟!!

يضع العقيد سماعة الهاتف وهو يقول في غيظ:

- اللهم طولّك يا روح .. وبعدين مع الفارغات دي؟!

يلتفت نحو الرقيب حمدان ويقول بلهجة آمرة:

- حمدان.

- نعم سعادتك.

- اخصم رصيد الزول ده كلوّ .. ما تخلي ليهو ولا قرش.

- حاضر سعادتك.

ضغط حمدان زراً في الجهاز الجديد، أضاءت شاشته الصغيرة معلنة استقبال رصيد بقيمة مائة جنيه من تلفون المتصل.!

تنهد العقيد بارتياح وهو يربت على كتف حمدان قائلاً:

- كده تمام.

(9)

على جانب آخر داخل منزل في وسط أحد الأحياء كان (أمين) و(طارق) طلاب على وشك التخرج من كلية الحاسوب، كانا يلعبان (البلي استيشن) في اندماج، فجأة ألقى أمين عصا الألعاب وهو يقول بضيق:

- ياااخ .. خلاص أنا زهجت من اللعب.

ثم يلتفت نحو طارق قائلاً:

- ما سمعت الخبر الجديد .. قالو ناس النجدة جابو جهاز جديد كان زول اتصل بي بلاغ كاذب بخصم منو رصيدو كلو، ويخصم أي رصيد حـ ينزل في الموبايل بعد داك.!

هتف طارق بدهشة:

- معقول ..!!

- أيوا الكلام ده صاح .. (محسن) اتصل عليهم أمس.. سألهم:( الساعة كم؟) خصمو منو خمسين جنيه.!

- هههه .. والله يستاهل.!

- لكن رايك شنو مع عدم الموضوع الفينا ده نقوم نعكس العملية.

- كيف يعني؟!

أجابه طارق وهو ينهض قائلاً:

- أتبعني.

تبعه حتى وصلا جهاز الكمبيوتر في آخر الصالة، جلس عليه أمين فتحه، ثم دخل شبكة الانترنت، واخترق موقع شركة الاتصالات، كتب بعض المعادلات والعبارات التي لم يفهمها طارق، بعدها تراصت أرقام كثيرة على سطح الشاشة، اختفت جميعها بغتةً ثم أطلق الكمبيوتر صفيراً متقطعاً، وكتب على الشاشة: (تمت العملية بنجاح)!.

التفت طارق نحو أمين وهو يقول مندهشاً:

- عارفك مجنون كمبيوتر .. لكن عملت شنو؟!

أجابه أمين ببساطة:

- عكست العملية.

- عكستها كيف؟!

- يعني بعد جهاز النجدة يخصم الرصيد يتم تخزينه في كمبيوترات شركة الاتصالات، دخلت حساب الشركة وكتبت أمر للكمبيوتر يرجع الرصيد لي سيدو بعد دقيقة واحدة بس.

- وعملت كده لي شنو ؟

أمسك أمين عصا ألعاب (البلي استيشن) وهو يهزّ كتفه بـ استهتار قائلاً:

- والله ساي.. عدم موضوع بس.!

(10)

خبط العقيد مختار سطح مكتبه بغيظ وهو يصرخ غاضباً:

- حمدان..!!

دخل حمدان مسرعاً وهو يلقى التحية:

- نعم سعادتك؟!

- الرصيد ده قاعد يمشي وين؟!

- في واحد دخل النظام وعمل حاجة خلت أي رصيد انسحب يرجع لي سيدو تاني بعد دقيقة واحدة بس.!

- يا سلام … ده فاعل خير يعني؟!

ثم ارتمى على مقعده وهو يخبط كفاً بـ كف ويقول في حيرة:

- والله يا حمدان الناس ديل حيرونا معاهم .. نحنا بنخدم في شعب ما عندو موضوع!!

ثم أضاف بحدة:

- حمدان .. ما عندك اختراع تاني؟!

- أبداً سعادتك اختراعاتي انتهت كلها!!

سرح العقيد حمدان ببصره قليلاً ثم هتف بحماس:

- حمدان!!

- نعم سعادتك؟!

- لو في زول اتصل وقال بلاغ فارغ، تقدر تحوِّل ليهو كل البلاغات الفارغة الـ بتصلنا هنا.؟!

- ما فهمت سعادتك؟!

- ياخي ركز معاي .. تعمل ليهو تحويل مكالمات عادي لأي بلاغ بصلنا هنا عشان يجرب المصيبة القاعدين نحنا فيها دي.!

- تقصد سعادتك كل المكالمات .. يعني ما تصلنا هنا ويرد هو عليها؟!

- لا لا يا حمدان .. حولها ليهو بحيث يفتح التلفون ويسمع صوت المتصل لكن لما يقدر يرد عليهو!!

ثم أضاف بانفعال:

- فهمتني يا حمدان؟!

- نعم فهمت سعادتك.

- وبعدين أي تلفون جديد يشتريهو بي اسمو حول فيهو برضو.

- حاضر سعادتك.

(11)

ربط حمدان آخر سلك في الجهاز الجديد، ثم التفت نحو العقيد قائلاً:

- الاختراع جاهز سعادتك.

فرك العقيد يديه في انفعال ثم قال:

- تمام .. أنا متأكد المرة دي الخطة حـ تنجح تماماً.!

(12)

في الخارج أصابت الدهشة (عديمي الموضوع) الذين يتصلون لـ بلاغات كاذبة، أصبحت تنهال على تلفوناتهم الآلاف من المكالمات والبلاغات الفارغة والمقدودة، واندهشوا أكثر عندما اشتروا تلفونات جديدة، ووجدوا بها نفس المشكلة، البعض رمى تلفونه، والآخر فعل شيئاً غريباً.!!

(13)

هتف العقيد مختار بصوت عال:

- حمدان!!

دخل حمدان مهرولاً:

- نعم سعادتك؟!

- الجوطة البرة دي شنو؟!

- ديل مواطنين محتجين قالوا دايرين يقابلوك شخصياً!.

خرج عليهم العقيد مختار، فـ وجد أمامه جبلاً صغيراً من الموبايلات والتلفونات الثابتة والهوائية والسلكية وغيرها، كلها رُدمت وكُوِّمتْ في تلٍ صغير أمام بوابة القسم، ثم رفع رأسه ووجد حشد كبير من الجماهير التي تقف أمام البوابة.

هتف فيهم العقيد:

- أها في شنو يا جماعة؟!

انبرى له أحد المواطنين وهو يقول:

- نحنا بتاعين البلاغات الفارغة .. وأنا المتحدث الرسمي باسم المجموعة.

ابتسم العقيد في سخرية وعقد ساعديه أمام صدره وهو يقول:

- طلباتك.؟!

حمحم الرجل ثم قال:

- والله يا جنابو الاختراع الأخير بتاعكم ده صعب عديل، فـ أنا أصالة عن نفسي ونيابة عن الباقين قررنا إنو تشيلو التلفونات بتاعاتنا دي وترجعوها زي أول!!

ثم أضاف:

- وبعد داك دخلونا السجن!!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق