الأحد، 10 يناير 2010

ماجستير في (الألف الأحمر) ودكتوراه في (الواو الضكر)!!


في دارجتنا العامية نستخدم بعض الأمثال والمقولات التي لا نعرف لها أصل ولا فصل، وهذا يحدث فيما يتعلّق بالحروف على وجه الخصوص، أنت بالذات أيّها (المُقلّع عينيك) قد تكون سمعتَ كثيراً بـ (الواو الضكر)، وسمعت بمن يوصَفُون به، ولكنك لا تعرف أصله، وإذا سألوك عن تعريف (الواو الضكر) أنا متأكد أنك ستقف كما وقف حمار الشيخ في العقبة، وأظنّك أيضاَ سمعتَ بـ (الألف الأحمر)، وقد تكون وَقَفْتَهُ في يوم ما، وهذا مؤكد، الكل في هذا الكون من المستحيل أن يمّر عليه يوم بدون أن يقف (ألف أحمر)، جدودنا زمان الذين وصّونا على الوطن وعلى التراب الغالي، كانوا عندما يريدون أن يصفوا شخصاً بالمبالغة، يقولون: فلان ده (نقط الواو) و(شقّ الهاء)، وهذه دلالة على المبالغة الشديدة.!

هنا في هذه المساحة سأحيطك علماً بـ(الواو الضكر) ومتى يقف الشخص (ألف أحمر)؟، وكيف يمكن لـ ابن آدم أن (ينقط الواو) و(يشقّ الهاء)؟ بسم الله نبدأ.!!

(1)

الواوات في اللغة العربية تنحصر غالباً ما بين (واو العطف) و(واو المعية) و(واو القسم) و(واو المد)، لكن هنالك (واو) سودانية بحتة، وغير مشهورة عالمياً، ويتم تداولها داخل نطاق الحي والحلّة ألا وهو (الواو الضكر)، وكلمة (ضكر) لا تخفى عليك يا عزيزي المفضال، أن ما يوصف بها عادة ينتمي إلى جنس المُذكّر، وأحياناً تأتي بمعنى الشجاعة والشهامة والمروءة، وقد توصف بها حتى النساء ودونكم (فوزية الضكرانة)، أسألوا عنها الأستاذة (منى سلمان) فعندها الخبر اليقين، وما أعتبره واحداً من أسرار الكون أنه لا توجد (واو) أنثى، وهذه لحكمة أجهلها ولابد أن أسأل عنها (الفيلسوف شيخُنا) يوماً ما، أما الآن دعونا مع (الواو الضكر)، بالطبع أنا استقصيتُ كثيراً وسألتُ أساتذة لغة عربية ومثقفين وبياطرة وفطاحلة وأناس من عليّة القوم، ومعهم مجموعة لا بأس بها مّمن توسمت فيهم الخير، وقلت لكل منهُم بمختصر العبارة:

- يا ابن العم .. بتعرف الواو الضكر؟

وجدّتهم كلّهم –والحمد لله- لا يعرفون (الواو الضكر)، وقلتُ أن هذه مناسبة طيبة لعمل دراسة وافية عن (الواو الضكر) وإذا لاحظت أن الدراسات هذه الأيام صارت تتطرق إلى أمورٍ يضحكُ السفهاءُ منها ويبكي من عواقبها اللبيبُ، فلا تندهش إذا سمعت بدراسة تثبت أنه صار من الممكن استخراج علاج (الرطوبة) من (شنب البعوض)، لذا سأكمل دراستي سريعاً قبل أن يسبقني أحد ويقوم بتحضير ماجستير أو دكتوراه في (الواو الضكر).!

(2)

ما توصلتُ إليه من خلال بحثي المستفيض في هذا الشأن أنّ النطاق الذي تُستخدم فيه هذه الواو، واحدٌ منها عندما يريد المرء أن يصف شخصاً ما بالجهالة والغفلة، فيقول مثلاً:

- والله فلان ده الواو الضكر ما بِعْرِفُو!!

دعونا نخرج بتعريف لها من العبارة السابقة: إذن الواو الضكر لغةً واصطلاحاً هي (واو) من لا يعرفها فهو جاهل وغافل وله حكمة السلاحف وعمق تفكيرها.!

فلـ نستخدم علم المنطق في هذه الدراسة، أوّل ما أثبتته دراستي أنه لا أحد في الكوكب يعرف ما هو (الواو الضكر)، وحسب استخدامها أن من لا يعرف (الواو الضكر) إنسان جاهل وقيل أحمق، إذن الواو الضكر أثبت أنه بما لا يدع مجالاً أن الكل في هذا العالم جاهلٌ بطريقة أو بأخرى، بل ومرّات مغرور، لأنه مرّات نقول:

- فلان ده عامل لينا فيها واو ضكر.!

(3)

ننتقل الآن إلى (الألف الأحمر)، درّسونا في المدرسة (ألف المد) و(ألف واو الجماعة)، ومجموعة من الألوفات لا أذكرها كلّها الآن، ولكن المنهج التعليمي آنذاك أسقط ألفاً مُهمّاً ألا وهو (الألف الأحمر)، ويُستخدم هذا الألف لوصف الشخص الغاضب وعينو حمرا وشرارة، قد تكون سمعت من يقول:

- فلان ده لقيتو واقف ألف أحمر.!

وقد قال الشاعر:

أنا ليهُم بقول سلام .. دخلوها وصقيرها حااااام

أي أن هؤلاء القوم عندما دخلوها كانوا (واقفين ألف أحمر)، إذن يمكننا تعريف (الألف الأحمر) بأنه الألف الذي (يَقِفَهُ) الشخص عندما يكون مُنْفعلاً، تعال إلى موقف المواصلات في وقت الذروة أي بعد الثانية منتصف النهار تجد أن الجميع في انتظار المواصلات (وافقين ألف أحمر)، وهنالك الكثير من الأشياء التي تجعلك تقف (ألف أحمر)، تمسك بالمرتب وعندما توزّعه تجد أن ما تبقى في يدك بالكاد يكفي لشراء كوم ليمون، أنت هنا تقف (ألف أحمر)، عندما تتم هزيمة فريقك في الدوري الممتاز بالذات، أنت هنا تقف (ألف أحمر) أكثر احمراراً من الشمس نفسها، أحياناً يصادفك شخص هوايته المفضّلة هي جعل الآخرين يقفون (ألف أحمر)، وعلى العموم أثبتت دراساتي أن الأشياء التي تجعل الناس يقفون (أُلوف حُمُر) أكثر من الأشياء التي لا تجعلهم كذلك.!

(4)

ذات مرّة سمعتُ جدتي وهي (تنْجَه) أحد القوم قالت:

- والله فلان الفلاني داك (نقط الواو) و(شقّ الهاء).!!

سألتها:

- يا حاجّة .. كيف يمكن للمرءِ أن (ينقط الواو) و(يشقّ الهاء) في نفس الوقت؟.

قالت لي:

- يعني بالغ عديل!

إذن توصلّت أبحاثي أن المرء عندما يبالغ، يكون كمن (نقط الواو) و(شقّ الهاء)، وكما تعلمون أن (الواو) عندما توضع من فوقها نقطة تتحول إلى فاء، ودي المبالغ ذاتها، أما الهاء، منذ مرحلة الروضة وحتى الآن لم يصادفني أحد كتب الهاء غير مشقوقة، أنظر للناس من حولك، معظمهم يكتبون الهاء غير محكمة الإغلاق، ولابد أن تجد بها فتحة ما، وهذا خطأ فادح، صار الناس كلهم يشقّون الهاء، ولابد أن في الآمر (إنّ) وإنّ هنا لا اقصد بها (حرفاً مشبهاً بالفعل) ولا حتى تنصب ما بعدها، إنّ هنا (حرف شك)، أي أنني صرتُ أشكّ أن الناس كلهم صاروا يبالغون في كل شيء، لأن منهم من يشقّ الهاء ويشرط الميم وينقط الكاف ويعفص النون، منهم من يعتبر نفسه (واو ضكر) وهو ليس كذلك، ومنهم الغتيت الذي يفلح في كثير من الأحيان في أن يجعلك تقف (ألف أحمر).!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق