الأحد، 10 يناير 2010

النّصَائِحُ الخَمْس مِنْ الفَيْلَسُوف شَيْخُنا!!



ذهبتُ لـ الفيلسوف (شيخُنا) وفي بالي أسئلة كثيرة أودّ أن أسأله إياه، ولكن وجدته يبدو وكأنّه خارج لمشوار ما، ففكّرتُ أن أسأله سؤالاً صغيراً حتى لا أعطّله، قلتُ له:

- أريدك أن تنصحني يا شيخُنا نصيحة أستعين بها على أمور الدنيا ونوائب الدهر.!

وبما أنه مستعجل توقعته أن يقول لي:

- يا بُني لا تجالس السُفهاء.!

ثم بعدها يتركني أذهب وآتيه في وقت آخر، ولكن يبدو أن الرياح تأتي بما تشتهي سفن العبد لله، قال لي شيخنا: سأعطيك خمس نصائح اعمل بها وأعلم أنها ستنفعك يا بُنيّ.

(1)

قال شيخُنا:

- اعلم يا بني أن الشجاعة ليست فقط في إبراز العضلات أو الدخول في الصعاب والأهوال، فبعض الأمور البسيطة تحتاج إلى شجاعة كبيرة، أولّ نصيحة لك هي أن تكون شُجاعاً، لا أطلب منك أن تصارع أسداً أو تُجندل عملاقاً، فقط قل لا أعرف عندما تُسأل عمّا لا تعرفه حقيقة، وإذا لاحظت أن الكثيرين في هذا العالم يعتقدون أنهم يعرفون كلّ شيء، وأن الجزء الضئيل من أسرار العالم التي لا يعرفونها لا تستحقّ معرفتهم، والقلّة من هؤلاء لديهم الشجاعة الكافية ليقولوا: لا أعرف، عندما يسألونهم عمّا لا يعرفونه، وإذا سألت أحدهم عن (القينعور) لأخبرك به بلا تردّد، وقد يُعرّفه لك لغة واصطلاحاً ويدخله لك في جملة مفيدة، في حين أنه لا أنت ولا هو ولا غيرك يكون قد سمع من قبل بهذا (القينعور) المزعوم.!

وأنا شخصياً قابلتُ الكثير من هؤلاء الناس الذي يعتقدون أنهم عباقرة وقد خُلقوا قادة، وإذا طلبت من أحدهم قيادة (غواصة نووية) لوافق على الفور.! مثلاً توقّفتْ سيارتك ولا تعرف السبب، يأتي ميكانيكي، يعبث في أحشائها ساعتين، وعندما لا يعرف السبب، مستحيل أن يقول: أنا لا أعرف، ومن المتوقّع أن يقول لك ربما العيب في (المقنيتا)، أو (الشكبزورات) أو (الحنجهور) أو أي شيء يعتقد أنه فسد من أشياء ميكانيكا السيارات التي لا تفقه فيها شيئاً.!

لذا يا بُنيّ، في كل ما تجهله من أمور الدنيا قلْ: لا أعرف، إنك بهذا تريح ضميرك وتكسب احترام الناس.!

(2)

سحب شيخنا نفساً عميقاً من هواء الغرفة، بينما أنا أهزّ رأسي تعجّباً، وقال لي:

- النصيحة الثانية هي ألاّ تثق في نفسك أكثر من اللازم، يمكنني أن أقرّب لك الأمر، أنت تعلم أن مراحل قيادة السيارة أربع: المرحلة الأولى أنت أخرق وترتكب الكثير من الأخطاء، تصيب من يسير خلفك بالرعب، ومن يسير أمامك يسأل الله أن ينجيه منك، المرحلة الثانية لا ترتكب أخطاءً ولكنك لا تستطيع تلافي أخطاء الغير، يمكنك ألاّ تصدم غيرك، ولكن هنالك من الحُمقى من لا زالوا في المرحلة الأولى ومن الحكمة أن تتفاداهم، المرحلة الثالثة أنت تزداد خبرة ونضجاً وتستطيع تلافي أخطاء غيرك كذلك، المرحلة الرابعة، وهي الأخطر، أنت واثقٌ من نفسك كثيراً، وتعتقد أنّك أفضل من يقود سيارة على وجه الأرض، وحتى في الزحام تجدك تسابق الريح بسيارتك وكأنك ذاهبٌ لتحرير القدس، وعندئذ طااااااااخ .. تصدم السيارة التي أمامك صدمة تزيل الهَامَ عن سكناتها، كما ذِيدَ عن ماء الحياضِ الغرائبُ، وتتذكر قول النابغة حينما قال:

ألا ليتني والمرءُ ميتُ * وما يُغني عن الحدثان ليتُ

لذا ضعها قاعدة يا بُنيّ: أن الأخطاء دائماً تحدُث من معدومي الخبرة، وكذلك من الواثقين من أنفسهم أكثر من اللازم.!

(3)

صمت شيخنا قليلاً، احترمتُ صمته فلم أنبس ببنت شفة، وبعدها قال:

- النصيحة الثالثة يا بُنيّ: لا تُجرّب شيئاً خطيراً لم يجرّبه أحداً من قبلك، فمن الحماقة والرعونة أن تشرب السُمّ للتجربة مثلاً، ويمكنني أن أقرّب لك الأمر أكثر، أفترض يا بُنيّ أنّه حاصرك كلبٌ شرس في زقاق ضيّق مقفول من أحد جوانبه، هنالك قاعدة قديمة وردت في كتب العلوم، وهي أن من يُداعب ما تحت فكّ الكلب الشرس يكسب ودّه ويجعله يهزّ ذيله فرحاً ويفتح له الطريق، صحيح أنهم يقولون أنها مُثْبَتة ولكن لا أعتقد أن أحداً جرّبها في مثل هذه الظروف، ولا تحاول أن تجرّبها وأنت في هذه الحالة، ولا تلومنّ إلاّ نفسك عندما تدخل يدك تحت فكّ كلب مفترس، وأعلم يا بُنيّ أن الكلاب لا تقرأ كتب العلوم وهذا حسب علمي.!

(4)

النصيحة الرابعة نصيحة فرعية تنبثق من السابقة وهي إذا كنت تقوم بإنجاز عمل ما يفيد البلاد والعباد، وأنت تعلم أن نسبة نجاحه ضئيلة، واصل الطريق ولا تسمع كلام المحبطين وتتركه يا بُنيّ، وهذا يشبه حالك مع الكلب الشرس الذي حاصرك في الزقاق الضيّق إذا كنت تذكر، والذي لم يترك لك خياراً إلاّ أن تقفز وتفرّ منه جارياً، وأنت تعلم تماماً أنك لا تستطيع أن تسبق الكلب جرياً، وإذا كنت أسرع من الكلب فإنه جديرٌ بك المشاركة في الأولمبياد القادم، ولكن الجري هنا هو الأمل في الوحيد لك في النجاة فلا تفرّط فيه.!

(5)

النصيحة الخامسة والأخيرة يا بُنيّ: لا تفرض رأيك على الجميع، ولا تبخس رأي غيرك، أي لا تكن كمثل الشاعر الذي قال:

وَنُنكِرُ إِن شِئنا عَلى الناسِ قَولَهُم * وَلا يُنكِرونَ القَولَ حينَ نَقولُ

إذا كنت تؤمن بشيء ما يخصّك قدّمه للناس كـ محاولة وليس كـ فرض عين، الأمر يشبه شخصاً قبيح الصوت ويغني دائماً في الحَمّام، لا أحد يسأله إلى أن يقرر الصعود إلى المسرح، ويمسك بـ المايكروفون فيغني، بل ويقرّر أنَ من بعده لا يعرفون الغناء، فهذه حماقةٌ، وهذا فعلٌ لا يقوم به إلاّ الرِّعَاع، ومن يفعل هذا يُعتبر شخصٌ (……….)، معذرة يا بُنيّ لا أعرف مفرد كلمة (رِعَاع) ولكنه منهم على كل حال.!


0 التعليقات:

إرسال تعليق