الأحد، 10 يناير 2010

صَلاةُ التَراوِيح تَمّ إدْخَالها عَصْر السُرعة!!

(1)

في أحْيَائنا السّكَنيّة تُوجدُ ثلاثةُ أنواع مِنْ المَسَاجِد التي يُمْكن أنْ تُصلّي فيهَا صَلاة التراويح أو صَلاة القِيَام، دعُونَا نُسمّيها على حَسبِ أئمتها، هُنَاِكَ الإمام الذي يُصَلي بِجُزءٍ كاملٍ مِنْ القرآنِ الكَرِيم، وَهذا والله أفضُلهم، والأجْر مَعَهُ وَفِير، والإمَام العَادي الذي يُصلّي بِسُورٍ مُتَوسّطةِ الطُول، والأخِير الإمَام الذي يَخْتَار أقْصَرَ قِصَار المُفصّل من السُور، وسَمِعْتُ أنهم في الحيّ يُسمّونه (الإمام الصَارُوخ)، وسُمىّ كذلك لأنّ سرعته في الصلاة تكاد تصل إلي سرعة الصاروخ واللهُ أعْلم! العَبْدُ لله صلى على المذَاهِبِ الثلاثْة.!

(2)

الإمام الصَاروُخ، كما يحلو للبعض بتسميته كذلك، صَلّيتُ خلفُه يَوماً ما، وهُو يَسْتحقّ هذا الاسم تماماً، ركعاته سريعة جدّاً، حتى أن المصلين من خلفه يتلخبطون، وتجدهم من خلفه ما بين قائم وراكع وساجد، وقد يضطّر أحَدهم إلى التلفت أثناء الصلاة ليعرف موقفه من الجماعة، فالصلاة من سرعتها تكاد أن تكون عبارة عن رياضة لتقوية عضلات البطن والظهر والأرجل، وفي أثناء الصلاة تجد الأنفاس هائجة، مع تسارع مخيف في ضربات القلب، وتسمع المياه لها (جلبغة) في بطون المصلين، فالصلاة خلف هذا الإمام تحتاج إلى شخص يتمتع بلياقة بدنية عالية، ويا حبذا لو مارس القليل من الإحماء والتسخينة قبل الدخول للمسجد، ومن المتوقّع تماماً أن (الإمام الصاروخ) رُوّاده كُثر، وتجد المسجد مزدحمٌ بالرجال والنساء والأطفال والشيوخ على حدٍّ سواء، فالفئة المرتادة هذا الجامع من المستعجلين والمستعجلات، فصلاة التراويح زائداً العشاء قد لا تتجاوز الربع ساعة، وأذكر أنني بعد إن انتهت الصلاة، جلستُ خلف الصفوف لأرتاح قليلاً، وتهدأ أنفاسي بعض الشيء، فقد كان منظري وكأنني أتيت للتو من سباق المائة متر بالحواجز.!

(3)

بعض مريدي (الإمام الصاروخ) يبررون أن سرعته هذه سببها أنه يوجد بعض المصلين الذين لا زمن لهم لصلاة طويلة، ويريدون أن يلحقوا ببعض الأغراض الحياتية في هذه الدنيا الزائلة ومائلة، والبعض حكى لي أنه يوجد أئمة صاروخيون أُخر أسرع من إمامنا هذا!! طبعاً من الصعب أن تتخيل صلاة بهذه السرعة الجنونية والتهور، لابد أن هذه الصلاة بسرعة الجاذبية الأرضية، ولابد أن المصلين من خلفه تنتظرهم الطائرة المتجهة إلى لندن بعد صلاة العشاء مباشرة! .. سبحان الله .. حتى الصلاة دخلتْ في عصر السرعة، فالفقهاء يشبهون من يسرع في الصلاة بأنه ينقرها كنقر الديك للدخن، ولكن الصلاة الصاروخية هذه لا يستطيع أي ديك أن يجاريها.

(4)

الإمام العادي، هو الذي نُصلّي خلفه عادة، وتكون السور التي يتلوها متوسطة في طولها، وسرعته في القراءة عادية، لا هي بالطويلة ولا بالقصيرة جداً، والمصلي خلفه يمكنه أن يلحق المسلسل بسهولة لذلك سننتقل إلى الإمام الذي يصلّي بجزء كامل من القرآن الكريم.

(5)

إمام الجزء يُصلي ركعات التراويح بجزء كامل من القرآن الكريم، وهذا على إجماع الجميع أفضل الأئمة، ويختم القرآن بحلول ختام هذا الشهر الفضيل، لكن المُصلّي خلف هذا الإمام لابد أن يتحلي بالصبر واليقين والإيمان المتين، وألاّ يكون من المستعجلين والمستعجلات، سورة الفاتحة التي لا تستغرق معنا سوى ثوانٍ معدودة، هو يتلوها بتؤدة ومهلة واطمئنان وبنفس طويل فيما يقارب الخمس دقائق، وبين الآية والأخرى يقف مسافة تكفى لأن تُصلى فيها ركعة كاملة، أما سورة ما بعد الفاتحة فـ لا يصبر عليها إلا مؤمن راسخ في العقيدة، وأن يكون متحلي بأخلاق التابعين وصبرهم وسماحتهم، فالوقفة في الركعة الأولى عادة ما تكون طويلة، والذين من هواياتهم المفضلة السرحان في الصلاة، تجدهم يَسرحون ويجولون بأفكارهم في شتى ضروب الحياة الدنيا، ويسردون في دواخلهم جميع المواقف التي مرت بهم، بلْ والتي لم تمر كذلك، فتجد الواحد منهم، مِمّن في قلبه خِفّة وغفلة وفراغ، تجده يتبسّم ويكشّر ويتكشّم كما نار القصبْ، وبعد أن يفرغ جميع ما في رأسه، يعود للصلاة، ويجد أنّ الركعة الأولي لم تنته بعد!.

(6)

طول الوقفة -مع إمام الجزء- لغير المعتادين عليها؛ وبالذات لمن يأتي لصلاة التراويح وفي نيّته تخفيف وزنه، أو من شاكلة (ماشين نفرّق المويات)، الوقفة تجعل عظامهم تتصلب بعض الشيء، لذلك عندما يركع الإمام، ويركع من خلفه، تسمع صوت طقطقة الظهور وقعقعة الرُكَبْ، وعندما ينتهون من أوّل ركعتين، يجلسون في استراحة قصيرة، تجد الكثيرين قد تسلّلوا، لأن بقية الركعات ستفوتهم كل المسلسلات والأفلام التي يتابعونها، وقد تفوتهم برنامج السهرة كذلك، وبعد ذلك يقوم الإمام للإتيان بالركعتين الثانيتين، وتكون الصفوف من خلفه قد تناقصت، فالذين لديهم نقص في اليقين، أو من أتوا بالصدفة، أو أول مرة، يكونون قد طبقوا أسلوب الانسحاب التكتيكي الممرحل، واتخذوا قراراً بالإجماع السكوتي بعدم تكرار التجربة مرّة أخرى، ويحتارون في أولئك الذين يكملون مع الإمام حتى النهاية، هل هم أولياء صالحون؟ أم ماذا؟

فالصلاة خلف الإمام الذي يصلّي بجزء كامل من القرآن الكريم، تحتاج إلى شخص خلع الدنيا مع نعليه خارج المسجد، ودخل متوجهاً إلى الله بقلبه وكيانه، ليتشرّب من منهل الخشوع ويتذوق حلاوة القرآن.


0 التعليقات:

إرسال تعليق