الخميس، 7 يناير 2010

عولمة العادات السودانية

(1)

العولمة من إحدى معانيها جعل الشيء عالمياً، فـ أمريكا هي من صاغ هذا المصطلح، وروجت له وعولمت كل ما يخصها وجعلت حتى عاداتها وطبائعها عالمية. إذا بدأنا بـ عولمة الملابس ستجد أن بناطلين الجينز التي كانت حكراً على الأمريكان؛ أتتنا عبر البحار وأصبحنا نلبسها أكثر من أهلها، ومن جانب العولمة البطينية؛ تجد أن أمريكا صدرت إلينا سندوتشات البيرقر، الذي صار يضرب به المثل في الأطعمة، ومن مظاهر التأثر بالعولمة التي دخلت علينا بالشباك؛ أدوات ومستحضرات التجميل التي اكتسحت الكركار والودك الي غير رجعة، وصار استهلاكها أكثر من استهلاك الفول والرغيف، وحتى حلاقات الرؤوس لم تسلم من موجة العولمة فـ حتى وقت قريب كنا نسمع بحلاقات مثل (كارلويس) و (مارينز).!

(2)

أثرت فينا ثقافة الغرب، تخللتنا ولم تخرج، معظمنا يلبس البناطلين والأقمصة وهي لبس أفرنجي وافد من بلاد الغرب، وبالمقابل لا نرى أي خواجي يلبس جلابية وعمة، ولا حتى صديري، ولن تجده أبداً يقيل بالعراقي في البيت!.

لماذا تأثرنا بهم ولم يتأثروا بنا؟ لماذا نحن نلبس الأحذية المستوردة، وهم لا يلبسون (مركوب الجزيرة) أو (مركوب الجنينة)؟! فهذا يعتبر تقصيراً منا، فيجب أن نؤثر نحن كذلك في عاداتهم وتقاليدهم.! عموماً يمكننا أن نلحق الركب ونعولم عاداتنا، فـ أمريكا الآن أفلست وارتخت قبضتها على العالم، وكان (شدّينا حيلنا) يمكن أن ندخل تراثنا في قلب الولايات المتحدة، ويكون من الاعتيادي جداً أن ترى منظر المواطنين في واشنطون يلبسون الجلاليب وتعتلي رؤوسهم العمامات! وأن تلبس فتياتهم توب الزراق وتوب الكِرِبْ الجابوهو النقادة، صحيح أنه موضة قديمة اندثرت منذ غابر الزمان، لكن أولاد اللذينا هؤلاء لابد أن يبدأوا من الصفر، لا من حيث توقفنا.!

(3)

السندوتشات اختراع غربي صرف، فهم يحبذونها لأنها سريعة التحضير، وتناولها لا يحتاج إلى طقوس، لكن لنسأل أنفسنا نفس السؤال: لماذا يأكل بعضنا البيرقر والمارتديلا والبسطرمة والبيتزا بالموزريلا والأكلات ذات الأسماء العجيبة هذه؛ والخواجات لا نجدهم يأكلون الويكة بـ القُراصة، والخدرة المفروكة بالكِسْرة، وأم تكشو بالعصيدة، ولا يشربون الحلومُر و(أم جِنْقر)؟! ما عيب مأكولاتنا ومشروباتنا؟ ولماذا لا يُجازف أحد المستثمرين السودانيين ويعمم هذه الشغلانة وينشأ سلسلة مطاعم في شارع الشانزلزيه في فرنسا، تُقدَم فيها الملوحة وملاح الكول والنعيمية، يجب أن نقنع الفرنسيين أن ملاح (أم رقيقة) به مادة لايوقية مفيدة في تزييت الركب والمفاصل! وبالذات لـ راقصات الباليه، وأن نجتهد لإقناعهم أن أكلة(أم شِعيفة) هذه تستخدم كـ وصفة صاروخية للتخسيس والرجيم، وأن نسعى بأي طريقة لإدخال (ملاح المِرِس) في موسوعة جينيس.!

(4)

وفي ذات الإطار لابد أن نقنع اللاعبين في فُرُق ريال مدريد وتشيلسي وبرشلونة والأرسنال لنجعل وجبات اللياقة عندهم تتكون من القدوقدو ومديدة الدخن.! فهذه دعوة للكل لكي نستغل فلسة أمريكا ونتحرك وندخل الكمونية في سويسرا، و(ملاح القاورما) في ألمانيا، وأن نصدر (الشربوت) إلي نيويورك ليشربوه بدلاً عن المشروبات الغازية التي تلين العظام، ولابد لـ الكجيك وملاح الروب أن يكونوا الوجبة الرئيسية في السويد، والأهم من ذلك كله أن نبدأ بعولمة (ملاح التقلية) تلك الأكلة السودانية المعروفة، وهذه بالذات أتوقع لها نجاحاً باهراً، وبعدها نخترع شيئاً ما يُسمى (سندوتشات البامية المفروكة بـ الكاتشب) ثم نصدرها مباشرة إلي إيطاليا.!

(5)

بالنسبة لموضوع مُستحضرات التجميل هذا يحتاج الي وقفة، فنحن لدينا ما هو أفضل، لنضع خطواتنا في بداية الطريق ونبدأ بتصدير الطلح الي البرتغال، والكركار إلي الأرجنتين، أما الودك فـ إلي استراليا، ولابد أن نُحيي عاداتنا القديمة، مثل (دق الشلوفة) و(الشلوخ) الذي كانت تمارسه حبوباتنا أيام زمان، فلابد لهذه التقنية أن تنتشر في المكسيك! والحسناوات المكسيكيات يجب إقناعهن بـ تشليخهن ودق شلاليفهن حتى يكون ظهورهن بأبهى منظر في مسلسلاتهم الطويلة التي تسلّ الرُوح، والأهم من ذلك كله هو نقل عادة (المُشاط) إلي هوليود رأساً، فمن المهم جداً للممثلات الأمريكيات أن يتمشطن، ونحن بدورنا سنمدّهم بأفضل (المشاطات) في بلادنا.!

(6)

وهكذا نكون قد أدلينا بدلونا في عولمة الشعوب الأخري بنشر عاداتنا السمحة وتقاليدنا العريقة وتصديرها الي كل العالم، ويا حبذا لو سعينا جادين لإدخال عادة (البطّان) في أمريكا، ونقنع الأمريكان أن يتجالدوا في أعراسهم، ويمكننا توفير سياط العنج، وبل ومعها جلادين من ديار جَعَلْ، ولن نكتف بهذا فقط، بل سيمتد عطاءنا لنصدر العناقريب الي كل الأقطار، ومعها جميع ما يلزم لوجباتنا التي صدرناها سابقاً، فليس من المعقول أن ندخل (أم رقيقة) إلي روسيا، ولا نتبعها المفراكة والريكة والقرقريبة والسعن والبخسة والدلوكة.!

ومع اجتياح عولمتنا العالم أجمع، ستعرفنا كل الشعوب، وستحترمنا كل الأمم، حتى رياض الأطفال في كارولينا ستنتشر بها لعبة شليل وفلفلت وسكج مكج ويا لبلب أمانة عليك ما عشرين.!

0 التعليقات:

إرسال تعليق