(1)
بما أن العبد لله تربية (حبوبات) وكده، وقضيتُ جزءاً من طفولتي في الريف؛ فقد عاصرتُ زمن الحبوبات اللاتي يؤلفن ويروين ما يُسمى اصطلاحاً بـ (الغلوتية)، التي صار اسمها الآن (الفزورة)، حيث كانت الحبوبات يساهمن في عملية التثقيف واختبارات الذكاء في الحِلة.!
كنا نحن عصبة من الأطفال من أبناء القرية نجلس القرفصاء تحت ضوء القمر ونستمع لـ غلوتيات من نوع:
- دخل القش ما قال كش..؟ (الظل).
- كان شالوهو ما بنشال وكان خلوهو سكن الدار؟ (الرماد).
- بارِك فى الأرض و يعارك فى السماء؟ (الدخان).
- حبوبتى من شدتا ولضاضتا شايلة جدى فى رقبتا؟ (الشِعبة) – مع العلم أنها عُودٌ تسند به الراكوبة!
- قطع البحر بدون عوم ضهر؟ (الصوت).
- مية ما بملن الصينية. (الإبر).
وغيرها الكثير مما لا أذكره الآن، وقد قمت بحلها هنا وأحتسب هذا الأجر عند الله سبحانه وتعالى، لأنه ذات مرة وفي حرم الجامعة وأثناء ونستنا أتت سيرة (العنقريب)، وإذا بـ أحد الطلاب النجباء يسألني عن ما هو (العنقريب)؟ مع العلم أنه ليس شهادة عربية، وأغبش بائن (الغَباشة) ولا يمكن تصنيفه لـ زمرة (الحناكيش)، لذلك وتفادياً لمثل هذه الأمور كان من المُحبّذ حل (الغلوتيات) أعلاه مع علمي بأن الكل يعرفها.!
(2)
أما الآن ونحن في الألفية الثالثة، صرن الحبوبات ليس كـ حبوبات زمان، والغلوتيات اختفت من الثقافة السودانية، ومع انفتاح السماء بسيل منهمر من القنوات الفضائية، أصبحنا نطالع قنوات تلفزيونية مخصصة للفوازير، تجد أن القناة كل رأس مالها فتاة (عيطبول) أي طويلة العنق في اعتدال وحسن، وهي مع ذلك (مملودة) و(خرعبة) أي دقيقة المحاسن ولينة العصب - تخيل أن هذه أوصاف المرأة الجميلة عند قدماء العرب- ما علينا، المهم أنه على يمين الفتاة كُتبتْ (فزروة) بخط النسخ، أصغر (شافع) عندنا يمكنه حلها بسهولة، وفوق رأس المذيعة مباشرة تجد المبلغ المخصص كـ جائزة لمن يحل الفزورة، وهو رقم كبير يصل حتى سبعين ألف دولار، ولست أدري ما الذي يستفيده هؤلاء القوم حتى يتكرموا ويعطوا من يحلها هذا المبلغ الكبير، علماً بأن الفزورة نفسها لا تستحق كل هذا، وإليك مثال لـ فزورة شاهدتها في ذات القناة قبل شهر رمضان السابق وحتى الآن لم يستطع أحد حلها وهي:
- (مدينة حمراء، أسوارها خضراء، سكانها سُود، ومفتاحها من حديد).؟
هذه الفزروة إذا سألت طفل في الروضة سيقول لك أن حلها (بطيخة)، وإذا سألت صبي الورنيش سيقول لك (بطيخة)، أسأل أي مواطن عشوائياً وستكون إجابته (بطيخة)، ومن المهازل أنها لم تُحلّ حتى الآن، وقد سمعت أحد المتسابقين قال أنها (مدينة غزة)، ومن بعده قال: (تونس)، وأحمق آخر بعد أن وجد أن سكانها سُود، قالها بكل سرور أن المدينة هي (السودان)! وأنت عزيزي القارئ إذا حاولت الاتصال بهم لحلها تجد نفسك قد حككت ثلاثة كروت شحن، وينقلك الكمبيوتر بأوامره الصوتية من مرحلة لمرحلة حتى تجد نفسك قد أفلست ولم تصل لنتيجة، وهذا ما جعلني أشك في أن هذه القناة (ماسورة) وعبارة عن فخ لاستحلاب الرصيد ليس إلاّ.!
(3)
من خلال مشاهدتي لهذه القناة اكتشفتُ، وبحسب خبرتي القديمة - والفضل يرجع لـ حبوبتي أمدها الله بالعافية- اكتشفتُ أنه يمكنني تأليف فوازير، بل ومن النوع الذي لا يُمكن حله بسهولة، وسأثبت لك هذا الأمر في السطور القادمة.!
× ما هو الشيء الذي يطلع بثلاثة .. وينزل بـ ستّة.؟!
أرجو ألاّ تبحر بذكائك بعيداً، فهذه ليست مسألة رياضية، وليس (أسانسير)، وعموماً إذا لم تصل إلي نتيجة؛ وحتى لا ترهق ذهنك بالتفكير .. إليك الحل:
- الشيء الذي يطلع بثلاثة وينزل بستة هو عصفور صغير، كان يتجول في حقل من حقول الذرة في أحد المشاريع .. وفي أثناء تجواله رأى ثلاث حبات ذرة ملقيات على الأرض .. فنزل وألتقطها .. وعندما نظر إلي أعلي رأى قندولاً مليئاً بحبات الذرة .. فطلع إليه .. والتقط منه ثلاث حبات أخرى .. ونزل إلي الأرض مرة ثانية.!
هكذا يكون عصفورنا قد طلع بثلاث حبات ونزل بستة .. الآن ما رأيك في هذه العبقرية الفزورية!.. وإليك حلاً آخرا لنفس الفزورة:
- الشيء الذي طلع ونزل هذا يمكن أن يكون حرامي في جيبه ثلاثة جنيهات .. وأراد أن يسرق عمارة .. وعندما طلع تم القبض عليه .. ونزل .. ولكن بستة عكاكيز على رأسه!!
إليك واحدة أخرى .. وهذه سهلة جداً وصعبة للغاية .. والحقيقة أن صعوبتها تكمن في سهولتها، ليست فلسفة، وستدرك هذا عندما تقرأها وتقرأ حلها.
× بيضاوية الشكل .. لونها من الخارج أخضر .. ومن الداخل أحمر .. وفي بطنها توجد حبوب صغيرة .. وليست بطيخة .. فما هي؟!
أقترح عليك ألا تفكر كثيراً .. فالحل هذه المرة ليس سهلاً.
- إنها بالونة حمراء .. طليت من الخارج بلون أخضر .. وعندما نفخت أصبح شكلها بيضاوياً .. مُحْمرّ الداخل مُخْضرّ الخارج .. أما بالنسبة للحبوب الصغيرة.. فهذا أمر بسيط .. قبل نفخها رمى فيها أحدهم أربع حبات تسالي!!.
0 التعليقات:
إرسال تعليق