الخميس، 7 يناير 2010

يا جماعة أي زول يدفع براهو..!!!


(1)

من ضمن مظاهر مجاملاتنا التي تجدها في المواصلات؛ هي أن تدفع قيمة التذكرة لمن تعرفه في الحافلة، فما إن يلتقي اثنان يعرفان بعضهما في أي حافلة، روزا كانت أم هايس؛ حتى ترتفع أصواتهما:

- والله ما تدفع .. أنا معاي فكة!

وتجد الآخر قد أمسك يده التي هي أصلاً في الجيب، ويغلظ في القسم الذي ليس في محله:

- علي بالطلاق أدفع أنا!

وتجد الكمساري في هذه اللحظة ينظر إليهما شذراً ليرى نهاية هذا الأمر، فهو يهمه –فقط- من سيدفع.!

الكثير يرى أنها ظاهرة حميدة، وتدل على شهامة وكرم هذا الشعب الأصيل، ولكن لديّ رأي مخالف، فمثل هذه المجاملات أحياناً تُدخلك في حرج بالغ، خاصة عندما تركب المواصلات وليس في جيبك سوى ما يكفيك أنت فقط، وتركب بفرصة أنت تكون (مدفوعاً) وليس دافعاً، أو بفرصة التعادل (يعني أي واحد يدفع براهو)، لأنك إذا دفعت لغيرك وأنت بهذا الوضع؛ قد تكلفك هذه المجاملة أن تمشي مشواراً تقطعه الإبل في يوم وليلة.!

(2)

أنا بالذات ليس محظوظاً بالمرة في المواصلات، عندما يكون جيبي ممتلئً بالجنيهات، أركب وأتلفّت، لعلي أجد أحداً أدفع له، حتى وإن حلف أربعتاشر طلاق، ولكن لا أرى أحدا، أما في اليوم الذي لا أملك فيه إلاّ ما يكفيني لوجهتي ذهاباً بدون إياب؛ أول ما أضع رجلي الميمونة على باب الحافلة أو ما يقوم مقامها، أصطبح بوجه جاري بالحيطة في أول مقعد، وفي ثالث مقعد علي يدك اليمين مباشرة، أجد أربعة من زملائي الذين كانوا دفعتي في ثالثة ابتدائي، وإلى الوراء قليلاً أجد معلمتي التي درّستني (حسن والطير)، ألقى تحية الإسلام الخالدة على الجميع، ثم أتجه مباشرة نحو (كنبه شكراً)، التي سميت كذلك لأن من يجلس عليها يدفع له ركاب المقاعد الأمامية ويكتفي هو أن يرفع يده قائلاً:

- (شكراً يا معلم).!

(3)

هنالك حركة تسمى (الكشْكرة)، وهي أن تدخل يدك في جيبك الفاضي وتقول:

- لا .. لا خلّي عنك ياخ .. أنا معاي فكة..!!

في حين أن جيبك في هذه اللحظة يخلو من (القطمير)، وهو ذلك الغشاء الرقيق الذي يحيط بنواة البلح، ويعادل عندنا عبارة (ما عندو أبو النوم)، وأبو النوم هو طرف خيط رفيع في نهاية الجيب. (والله أعلم).

أنا من الذين تابوا من (الكشكرة) توبة نصوح، خاصة عندما أكون مفلساً، وأذكر ذات مرة (كشكرتُ) لأحد أصحابي في المواصلات، أراد أن يدفع، أدخلتُ يدي في جيبي وقلت له بصيغة عزومة المراكبية:

- كدي باركها .. أنا بدفع .. معاي فكة..!!

فإذا به الغتيت يقول:

- خلاص .. وكت حلفت أدفع.!

وأنا والله لا حلفت ولا حاجة .. ولم يكن في جيبي سوى نيفٌ وخمسون قرشاً لا غير، وحتى هذا النيف لا يكفي إلا لشراء كيس تسالي، طبعاً لكزته أن يدفع هو، وفي هذه اللحظة نظر لي الكمساري نظرة ترجمتها إلى:

- الواحد وكت مُفلّس .. الخِفّة -الكتلت أب تِفة- ليهو شنو؟!!

(4)

ظاهرة (بدفع ليك) لا تجدها في المواصلات فقط، بل تجدها في الكافتيريا، وتصوير المستندات، وأحياناً الحمامات، وأذكر أن هنالك نكتة لـ سوداني التقى مع بلدياته في إحدى بلاد الغربة، وكلاهما أتى لشراء سيارة من المعرض، أحدهما دعا الآخر لشرب فنجان قهوة في كافتيريا مجاورة، تناولوها ثم ذهبوا لشراء سيارتيهما، فإذا بالآخر يحلف قائلاً:

- علي بالطلاق ما تدفع حق العربية .. إنتَ دفعت حق الجبنة؟!

هذه النكتة من الصعب أن تتحقق على أرض الواقع، يا خوي دي عربية عديل، ولكنها تدل على أننا قوم يؤثرون على أنفسهم .. يعني مرات .. مرات، ولكن في المواصلات أعتقد أنها حركة مزعجة أن تتعالي الأصوات لتحسم جولة من سيدفع، فمن المعروف أن أي راكب يأتي ومعه ما يكفي لترحيله، فـ بالتالي ليس هنالك داعٍ لمسك الأيدي داخل الجيوب، وتطاير الحلائف والإصرار على الدفع.!

أذكر أن لنا جاراً كان يركب الحافلة ولا يترك أحداً من معارفه يدخل يده في جيبه، حتى وإن أراد أن يخرج منديله يمسك يده بيمناه، وبيسراه يمد النقود للكمساري، وذات مرة ركب الحافلة، وقبل أن يجلس دفع للراكب في أول مقعد، وكان من معارفه، ثم التفت ووجد جاره (حسنين أب شنب) في ثالث معقد.. دفع له، جلس في مقعده، ثم رفع رأسه قليلاً فوجد جارته (حاجة بخيتة) ومعها ثلاثة من جاراتها ذاهبات لجلب الخضار من الملجة، فـ دفع لهُن، ثم رأي أولاد (عبد القيوم) الأربعة ذاهبين للمدرسة، أيضاً دفع لهم .. بعدها قام على حيلو عديل، وقال للكمساري:

- أسمع يا ولد .. الحافلة دي أنا دافع ليها جتْ عليها .. رجّع ليهم قروشهم!!

(5)

السؤال هو: إذا ركبت المواصلات، ولم يكن في جيبك سوى (حق) تذكرتك فقط، ووجدت في المقاعد الأمامية جارتك -مثلاً- ماذا ستفعل؟!

ونحن الشباب بالذات لدينا عقدة أن تدفع لك فتاة أو امرأة في المواصلات، خاصة وأن النساء لا يعرفون أن الرجال (قوامون) إلاّ في المواصلات، وبعد أن يقومون يضطرونهم أن يكونوا (دفّاعون).!

إجابة السؤال أعلاه هو أن تنزل، وإذا تورّطت وجلست ليس أمامك إلاّ أن (تعمل نايم)، ولكن في هذه اللحظة ستتمنى من أعمق أعماقك أن تصدر وزارة النقل والمواصلات قانوناً وقراراً شجاعاً مفاده:

- أي زول يدفع براهو!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق