(1)
وأنا أتأمل في وجه جدتي، رُحتُ أتفحّص مسارات شلوخها (المطارق) بتمعُّن، وتأمّلتُ كذلك شَفَتها السُفلى التي اكتسبتْ اللون الأخضر الداكن، وتخيلت هذا الوجه في شبابه بلا شلوخ، وتوصلتُ بمقارنة بسيطة إلى أنه سيكون أجمل، أنها مُقارنة لست أدري لماذا يعقدها القدماء من حكماء ذلك الزمن، الذي كان يُعتبر (التشليخ) فيه رمزاً من رموز الجمال، وبعدها سألتُ نفسي:
- من هو مخترع فكرة (الشلوخ) هذه؟ وكيف توصل بعبقريته (غير الفذّة) إلى أنها تجعل الفتاة أجمل؟ ومن هي أول ضحية لـ (الشلوخ)؟
أسئلة لم أجد لها إجابات، ولكني توجهت بالسؤال إلى جدتي، ورجوتها أن تحكي لي بالتفصيل كيف تتم عملية (الشلوخ)؟ وما هي طقوسها المتبعة؟ وكيف أجريتْ لها عملية (دق الشلوفة) التي جعلت شفتها السفلى داكنة الخضرة؟ ألقيتُ عليها أسئلتي منتظراً الإجابة، كانت متكئة فجلستْ، وسرحتْ ببصرها بعيداً وكأنها تستعيد ذكريات مريرة، وحكتْ لي بأن الواحدة منهُن عندما يأتي ميعاد تشليخها، لم تكن تأتي وتسلّم خدها بـ أخوي وأخوك، بل كان (المشلخاتية) يطاردونها عبر القرى والفيافي، وفي كل الأحوال كان زبانية التشليخ يقبضون الضحية، ثم يغرسون آلاتهم غير المعقمة في وجهها النضير، وتتدفق الدماء من خدودها بلا حساب، وتكون هذه العملية بحضور نساء عاتيات كأنهن جذوع النخل، فيمسكن بالفتاة – التي لا تعرف مصلحتها- مسكة امرأة واحدة، وإذا كانت الفتاة (جرسة) أكثر من اللازم؛ يقمن بضربها، ثم تتبرع (أتخن) واحدة لتجلس فوق صدرها لتثبيتها، ثم تفصد بـ المشرط شبه الصدأ، وبعدها تتلقى التهاني بأنها أخيراً يمكن اعتبارها من زمرة النساء الجميلات!!
الغريب في الأمر أن هؤلاء النسوة اللواتي يقمن بهذه العملية السامية، لديهن غير الجمال سبب طبي وجيه -من وجهة نظرهن- لعملية (الشلوخ)، وهو أن الدماء التي تنزل من الوجه بعد التشليخ، تجعل العيون ناصعة البياض، مما يزيد من فرصة دخولها إلى عالم الجمال بخطوتين (الشلوخ) و(بياض العين)، ولست أدري من هذا الذي أدلى بهذه المعلومة العجيبة، ومن أي مرجع استقاها.؟!
(2)
الفتاة التي (شُلّخت) ترقد ثلاثة أو أربعة أيام، ويكون وجهها متورماً ومنتفخاً، وقد تتقيح الجروح، وينزل منها الصديد، واحتمال كبير أن تصاب بعدها بالتسمم من جراء إجراء عملية جراحية لا تتوفر فيها أدني مقومات التعقيم، والعجيب أن دور النساء الفخيمات (المشلخاتيات) لم ينته بانتهاء مراسم التشليخ، فيعمدن إلى الشلوخ التي لم يلتئم جرحها بعد، فـ يقمن بـ حشيها بـ بعر الغنم!! ثم يتبعنها بـ تلصيق القطن قصير التيلة على الشلوخ التي حشيت بـ البعر سابقاً!! وبعد ثلاثة أيام عجاف تمر الفتاة (المُشلخة) بمرحلة تعتبر هي الأصعب، وهي عملية فك ارتباط البعر والقطن من الشلوخ التي لم تلتئم بعد، يصبون عليها الزيت الدافئ، ويقتلعون الضمادات (القطن بعرية)، وبعد ذلك تأخذ الجروح أكثر من شهرين لتبرأ تماماً.!!
إن ما قرأتموه من سطور ليس مشهداً من فيلم رعب من إنتاج هوليوود، بل هو عملية كانت تُمارس في أيام زمان بأسلوب أقرب إلى الروتين، وحتى لا أطمئنكم فإن رحلة عذاب الفتاة لا تنتهي هنا، فـ بانتهاء التشليخ تكون الفتاة مؤهلة للزواج، وعندما يتقدم لها ابن الحلال، تستعد لتجربة لا تقل فظاعة عن التشليخ .. وتنتظرها عملية تعذيبية تسمى (دق الشلوفة)! .. وهي آخر مرحلة من مراحل اكتمال مراسم تجميل ما قبل الزواج، وتتم هذه العملية بـ تخريم وتثقيب الشفة السفلى للفتاة التعيسة بشوك الهجليج (الغُلاد) .. وتجمع حوالي سبع شوكات (كُبار)، لا أدري لماذا سبعة؟ ولكن الطقوس تقول هكذا، وتُطعّن الشفة بـ الشوكات السبع حتى يتكسرن، وإذا تكسّرت جميع الشوكات ولم تنتهي العملية؛ يأتون بـ سبع شوكات أخريات لإكمال المهمة، وبعدها .. ولكي تكتسب الشفاه اللون الأخضر القاتم كـ قتامة حظ هذه الفتاة؛ يـأتون - ملائكة عذاب التجميل- بـ سائل أخضر يستخلص من (مرارة السمك أو الدجاج)، ويملئون به الأخرام التي حُفرتْ بـ الشوك، وهكذا تكون الشفة السفلى قد تلونت بـ (أخضر شفاه) مستديم لا يبلي ويستحدث من عدم بسبق إصرار وترصد، مع ملاحظة أن كل ما ورد أعلاه بلا تخدير أو بنج، ثم تذهب مجموعة من النسوان للعريس ليلزمنه بدفع تكاليف إجراء عملية (دق الشلوفة)، ودفع فاتورة المرأة التي (تدق الشلاليف)!! فالعملية ليست لوجه الله، والعريس مُلزم بالدفع، بل ويُكلف بإحضار الحلوى والبلح والدقيق والزيت ليكرم الضيوف الذين أتوا لحضور مناسبة (دق الشلوفة)!! (غايتو ناس فاضين شغلة ساي)!!
(3)
كم أنتن محظوظات يا فتيات هذا الزمن، فقد وقاكم الله شراً مستطيراً، بل والرجال كذلك محظوظون، وكفاهم الله التشليخ على شكل T وبقية الأشكال الأخرى غير المنتظمة التي لا تزول، وقد قرأتُ في منتدى بشبكة الانترنت أن أحد السودانيين كان مُشلخاً على شكل T ، وتعب كثيراً مع السويديين وهم يسألونه عن ماهية هذه الشلوخ، فمنهم من لم ير في حياته إنساناً أسود اللون، فما بالك أن يكون أسوداً ومشلخاً بحرفT المألوف لديهم؟ وبعض منهم كانوا يترجونه أن يلتقطوا معه صورة تذكارية، فيرفض الاقتراب والتصوير رفضاً باتاً وقاطعاً، وهذا الرجل أكرمه الله بصديق هداه إلى فكرة فظيعة، أنه عندما يسألوه الأجانب عن سبب هذه الشلوخ؛ أن يقول لهم أنها عبارة عن مجاري تكونت بفعل بكاءه المستمر على محبوبته التي هجرته لضيق ذات يده، وأن ويعزز قوله بأن السودانيين دموعهم حارة وبتحفر طوالي في الجلدْ.!
0 التعليقات:
إرسال تعليق