إذا وقفت في منتصف السوق في العاصمة، وألقيت نظرة فاحصة علي الجميع، ستجد أن السوق عبارة عن مضمار كبير تمارس فيه معظم ألعاب الأولمبياد، والمواطنون فيه يجيدون الكثير من الألعاب الأولمبية بالفطرة، مثلاً في ألعاب القوى تجد رياضة العدو التي من ضمن أقسامها سباقات الحواجز، ونحن في مواقف المواصلات نمارس هذه الرياضة بكل قوانينها، عندما تدخل الحافلة إلى الموقف لـ اللحاق بها تجد الجميع يمارسون سباق المائة متر بـ حواجز ليتخطون الترتوارات والبشر والقفز من فوق الحاجيات المفروشة علي قارعة الطريق، وفي أثناء السباق يضطر المتسابقين إلى الدخول في رياضة قريبة من (كرة القدم الأمريكية)، التي الغرض الأساسي منها هو إمساك الكرة التي تشبه (سيرمس الشاي)، والمدافرة بها حتى يصل اللاعب لمنطقة الخصم، وهي لعبة تعتمد على الاصطدام، وهذا ما يفعله المواطن حتى يصل لـ باب الحافلة، وعندما يصل يستعد لممارسة رياضة (المصارعة) وتعريفها: (هي رياضة يتبارى فيها شخصان يحاول كل منهما هزيمة الآخر بدون استعمال الضرب) وهذا نفس ما يحدث في الزحام عند باب الحافلة، حيث يحاول كل مواطن هزيمة الآخر لـ الفوز بمقعد بدون ضرب وأحياناً بضرب.!
لا تظن الأمر ينتهي هنا فقط، فـ في زحام مواصلات العاصمة بالذات ستضطر لخوض الكثير من المعارك حتى تفوز بمعقد، وقد تستخدم في طريقك بعض فنون الكاراتية والتايكندو والجودو لـ تُمَشّي أمورك، لأنك بعد أن تصل باب الحافة قد لا تستطيع الدخول، وتضطر أن تقف (شماعة) علي بابها، وفي وقفتك هذه أن تحتاج لإجادة (الجمباز)، لأنك هنا ستؤدي الكثير من التمارين البهلوانية لكي تحافظ علي توازنك حتى لا تضطر أن تُجرّب رياضة (القفز الحُرْ) في شارع الزلط.!
(2)
إذا وفقك الله، وجلست علي مقعد نص، ستمر بتجربة فك كل المقاعد وتركيبها حتى تصل إلى (كنبة شكراً)، وهذه العملية تشبه -إلى حد ما- السباحة في البر، وهي تمارين جيدة لعضلات الكتف والرقبة وهي أولى الخطوات للوصول إلى كمال الأجسام.
أما من جلس علي كرسي حقيقي فهذا يعتبر من أهل الحظوظ وعليه أن يحمد الله كثيراً علي هذه النعمة، وهو في جلوسه هذا لابد أن يمارس رياضة - ليست أولمبية- تسمى (رياضة التأمل)، تجد أن الكل بعد جلوسه يتأمل بتمعن في هذه الدنيا أم قدود، وأهل الخبرة في هذه الرياضة لديهم إرشادات مهمة لـ ممارسة رياضة التأمل ويقولون لك:
- (في بداية التأمل طبّق المبدأ العام الذي يقوم عليه التأمل وهو قبول كل شيء حولك من أمور الناس والدنيا كما هي، وينبغي عليك أن تستعد أن تذهب إلى ابعد من مشاعرك.. ابعد من أفكارك .. ابعد من ذكرياتك .. ومن المفضل أن تجلس جلسة التأمل وأنت غير ممتلئ البطن). انتهى.
وإذا لاحظت تجد أن كل هذا ينطبق بالنص علي الركاب، حيث تجدهم جميعاً يتأملون ويسرحون في اللاشيء، أبعد من أفكارهم وذكرياتهم، ومن المرجح أن بطونهم تكون خاوية في هذه اللحظة.!
(3)
ما سبق كانت ألعاب تُمارس في الصيف والشتاء، ولدينا أولمبياد من نوع آخر في فصل الخريف، عندما تغمر مياه الأمطار الشوارع وتجعلها مع خط استواء المصارف والخيران، تجد البعض منا يمارس (رياضة التزلج)، أهلها يتزلجون علي الجليد، أما نحن فـ على الطين والوحل، ونحن نزيد عليها بـ الانزلاق في الطين أحياناً، وهذه الرياضة محببة للجماهير، بدليل أنه ما إن ينزلق أحدهم في الطين؛ حتى تجد الجميع يضحكون فرحين، ولا يتبقى لهم إلا أن يصفقوا له تصفيقاً حاراً، ويشدوا علي يده لـ يهنئوه علي هذه الزلقة الخطيرة.!
في ألعاب الأولمبياد توجد فقرة (القفز بـ الزانة)، نحن كذلك نقفز، ولكن بـ لا زانة، فـ في الخريف تكون مضطراً للقفز فوق أحد المجارى أو الخيران الكبيرة، تتراجع إلي الخلف، وتأتي جارياً، وتنط نطة عالية، إذا كنت بارعاً ستجد نفسك على الجانب الآخر، وإن لم تكن؛ ستجد نفسك داخل الخور تماماً، لتمارس (السباحة الحُرّة).!
(4)
أما في أوقات السلم، وفي السلام بـ الذات قد (يلمْ فيك) أحد الأصحاب العبيطين، فيسلم عليك سلاماً به الكثير من اللبع والخبت، ويصيح فيك: وييييييين يا فردة.. ويوسعك لبعاً (تاح تراح)، ويرفعك عالياً، ثم يتبرع بـ طقطيق ضهرك .. وبعدها يرجّك ويهزّك هزاً، فتخرج من هذا السلام مترنحاً ومزغللاً وكأنك خارجاً من حلبة مصارعة. وهذا يمكن أن تسميه (سلام أولمبي شامل)، لأنه تطبّق فيه المصارعة والكاراتية وهوكي الجليد ومصارعة الثيران ولعبة أخرى تسمى (يا لبلب).!
(5)
تبقى لنا (رفع الأثقال)، وهذه الرياضة يمارسها أطفالنا في المدارس، تجد التلميذ يحمل على كتفيه شنطة وزنها مائة طنْ (تقريباً)، وبها كمية من الكتب والكراسات التي ينوء بحملها البعير، وإذا بحثت في أمره تجده في هذا اليوم يحتاج إلي ثلاثة أو أربعة كُتب لا أكثر، وفي نهاية اليوم يأتي التلميذ أو الطالب إلي البيت (قافلة معاهو) فيطوح بـ الشنطة الثقيلة على أقرب كرسي، وهو هنا يكون قد اختتم يومه بـ (رمي الجلة).!
0 التعليقات:
إرسال تعليق