أخيراً طوى العام الفائت آخر صفحاته، ليفسح الطريق لعام جديد ليغسل شوائب الشهور الماضيات، تولى عام وأتى عام جديد، نسأل الله أن نرى فيه ما يسر البال ويجبر الخواطر، كل سنة وأنتم بـ ألف خير، أهنئ الجميع بـ عيد الاستقلال أولاً، ثم بـ العام الجديد، ودّعنا سنة كانت كثيفة بـ الأحداث، نتمنى أن نكون في السنة الجديدة بـ أحسن حال، وأن نستقبلها بروح ممتلئة بالأمل والتفاؤل.
التهنئة والتحية لكل من احتفل ومن لم يحتفل، سلامٌ إلى الذين ذهبوا إلى الحدائق لإطفاء الشموع، وتلويحة أخرى لمن أطفئها في بيته، وأحيي كذلك لـ أولئك الذين يعتبرون أن الاحتفال برأس السنة يعتبر (قلة شغلة ساكت)، وأنه أفضل لهم أن يلزموا السرير ليرتاحوا من عنت السنة السابقة، ويرتاحوا كذلك من رشق البيض والماء والدقيق.!
الملاحظ للشارع السوداني يجد أنه ليس لدينا عادات وتقاليد ثابتة وضاربة الجذور في الاحتفال بـ قدوم العام الجديد، والاحتفال عندنا في حد ذاته عادة جديدة ودخيلة علينا، ونحن لا نفعل فيه شيء يذكر سوى الخروج إلى الحدائق والمنتزهات وإطفاء الشموع واقتسام تورتة متوسطة الحجم، مع ترديد بعض عبارات التهاني التي رددناه سابقاً في عيد الأضحى، وسنرددها في عيد (شم النسيم)، و(عيد الشجرة) وبقية الأعياد، وذلك بالمقارنة بالاحتفالات المعقدة التي تقيمها بقية الدول والشعوب الأخرى في بعض بلاد العرب، أو يفعله شعب الفرنجة في لندن وبقية أمصار أوروبا، الذين من أبسط ما يفعلونه أنهم يفجرون فيه ألعاباً نارية تحيل الليل إلى نهار، وثمنها يكفي لإعالة مليون نسمة لعشر سنوات قادمات.!
بعض سكان عاصمتنا يحتفلون بطريقتهم الخاصة، يكلّف الواحد نفسه بشراء طبق بيض وحفنة من دقيق قمح مقشور، ويمارس هواية التنشين والكشح في المحتفلين الكرام، الذين يرجعون إلى منازلهم وروائحهم تغني عن سؤالهم، وهذه عادة بايخة نتمنى أن تختفي، وإن كان لابد فــ لـ يتراشقوا بـ (النبق) مثلاً، فهو أخف وزناً، ولا ينكسر لينسكب منه سائل عفن الرائحة، وهذه الأفاعيل تجرى في العاصمة فقط، ولا توجد في المدن السودانية الأخرى، فـ البيض والدقيق هناك لا يستعمل في مثل هذه الفارغات، أما في الأرياف والقرى يمر يوم 1/1 كمثله من الأيام، وقد لا ينتبه إليه أحد، فلديهم ما يكفيهم من الهموم والمشاغل، التي ليس من بينها الاحتفال بذهاب عام من تبعاته أن ينقص من العمر سنة.!
توجد الكثير من العادات والتقاليد العجيبة للاحتفال برأس السنة في بقية الدول، ففي أسبانيا يحضر كل محتفل اثنتي عشر حبة عنب وعند سماع دقات الساعة الثانية عشر ليلاً يتناول كل منهم حبة مع كل دقة، ويفعلون هذه الطقوس حتى يكونوا سعداء في كل شهور العام الجديد، وأن تكون حياتهم حلوة كـ العنب.!
نحن بالطبع لا يمكننا مجاراة الأسبان في هذه العادة، فـ حياتنا من الصعب أن تكون حلوة كـ العنب، ثم إنو العنب ذاتو غالي اليومين ديل، لكن أعتقد أنها طريقة جميلة للاحتفال برأس السنة وهي أفضل مما نفعله هنا، فنحن نحتفل بطريقة عجيبة، ولست أدري من أين أتت فكرة (التكاشح) بـ الدقيق، فـ إذا عاصرت الشاعرة بنونة بت المك نمر أحدى احتفالات رأس السنة في عاصمتنا الخرطوم؛ لتحولت مناحتها إلى أخيها عمارة إلى (ما دايرالك الترويسة أم دقيقاً شح).!
أما الفرنسيين ديل عديمين موضوع عديل، المعروف عنهم أنهم يحبون الديوك حباً جماً، و(الديك) هو شعارهم الرسمي، ويوازي (صقر الجديان) عندنا، والشعب الفرنسي يعتبر أن الديك هو الصديق المخلص من دون خلق الله، ويحبون فيه الدقة والانضباط، ومن العادات الرواسخ لديهم أنه عند كل رأس سنة يجتمع أي مواطن فرنسي بـ الديك الذي يحبه ليعبر له عن مشاعره الخاصة.!
أما نحن فـ لا نخاف في الديك أو الدجاجة لومة لائم، ولا نحب الديك إلاّ محمراً مكرفساً أو في طريقه من (الحلة) إلى مائدة الطعام، والديك عندنا مهان، فهو يتراوح ما بين (ديك بيطري) أو (ديك مسلمية) أو (ديك عِدة)، ولست أدري كيف لشعب مثقف كـ الشعب الفرنسي الذي يعتبر من الشعوب المثقفة المتحضرة أن ينقنق سكانه ويتونسوا مع الديوك في بداية كل رأس سنة.!
في الفلبين لديهم طقس غريب للإحتفال، حيث يأمرون أبناءهم بـ القفز والنطيط في منتصف الليل، حتى يزداد طولهم في السنة الجديدة، والغريب أنهم يمارسون هذه العادة منذ أمد بعيد ولم ينتبهوا إلى أن أحجامهم لا تزيد، ولا زالوا يصرون على فعلها كل سنة.!
يا جماعة واحد منكم ياخد فيهم الأجر ليخبرهم أن النطيط لا يزيد الطول، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، والدال على الخير كفاعله.
(5)
نسأل الله أ يحقق كل الأمانيات للجميع، وأن تكون هذه السنة طليعة خير وبركة، وأن تتسع صدورنا لغريب الأفعال، فلا تزعل أو تتضايق إذا رجعت إلى بيتك تفوح منك رائحة زفارة البيض، فهو أفضل من أشياء كثيرة يمكن أن تُسكب في المرء، و لوك الصبر إذا رجعت أغبشاً أغبراً من كشحة دقيق أتاك عبر كيس أرعن، ففي هذا اليوم الجميع سعداء ومبتهجين، ولا يقدرون ما يفعلون، وأحمد الله أته كان دقيقاً وليس مسحوق الشطة الحمراء أو القبانيت.!
0 التعليقات:
إرسال تعليق