الأحد، 10 يناير 2010

خزعبلات وأشياء من هذا القبيل

(1)

أحد أقاربي لعل اسمه (حسن)، فتىً رقيق الحاشية، هادئ الطباع، دمث الخلق، لّين العريكة، لم يكن نقل أخبار الموت من هواياته المفضّلة، ولكن حظه السيئ هو ما يضعه في هذا الموقف المحرج، أذكر مرة أنه أتى لأهل بيتنا بخبر وفاة أحد جدودنا، بكت جدتي وانتحبت أمي كثيراً، انهمرت دموعهما سحّاً وتسكابا، عدّت هذه الحادثة كغيرها، ولكن بعد أقل من شهر، قريبي نفسه، (تذكرت يبدو لي الآن أنه ليس حسن)، أتى بخبر موت أحد أقاربنا من الدرجة الأولى، فَعَلتْ جدتي وأمي ذات الطقوس التي تؤدَى عندما يتوفى أحد أقاربنا من الدرجة الأولى، أما قريبي، تأكدت إنه ليس (حسن)، وثمة احتمال لا بأس به أن يكون اسمه (محمود)، هذا الرجل صار أهل بيتنا يتشاءمون برؤيته تماماً، خصوصاً بعد أن أخبرهم بموت قريبتنا من الدرجة الثانية بعد أسبوعين فقط من آخر خبر نقله، سالتُ قريبي، (يبدو لي انه ليس محمود أيضا .. سأتذكره وأخبرك باسمه الحقيقي فيما بعد)، سألته:

- لماذا يختاره القدر دائماً ليكون هو أول من يبلغ عن أخبار الموتى؟

صمت قريبي، الذي تأكدت تماماً من أن اسمه (عبد الملك)، صمت، وحدقني بنظرة طويلة، وأبدى نواجذه لغير تبسم، ثم هزّ رأسه هزةً يمكن ترجمتها إلى:

- إنني رجل جمع جَمَعَ المَكارِمَ والعَزائِمَ والتُّقَى .. وليس ذنبي أن يموت غيري ويصادف أن أكون أنا من ينقل نبأ موته، ثم تلومني الناس على هذه الخدمة، وما أدري علام تلومني.. كما لامني في الحي أهل بيتكم.!

أعتقد أن هذه هي ترجمة هزة رأسه، ولو كنت تملك ترجمة أفضل فلا تبخل علينا بخبرتك في هذا المجال.!

(2)

معظمنا يتشاءم بأشخاص معينين، أشخاصٌ نعلم تماماً أنهم ليسوا هم السبب الأساسي في مصائبنا الجسام، ولكن هذا لا يمنعنا أن نتشاءم منهم، فالنفس عندما لا تجد التفسير المنطقي تميل إلى الخرافة، وتعزي الأمر إلى أن هذا الشخص منحوس مكنوس، يتبعه النحس حيثما ذهب، خصوصاً أن خبر الموت يحتاج إلى نحس مبالغ فيه، أحياناً أنت نفسك قد تقع ضحية هذا الموقف، حتى ولو كنت من الطراز الذي لا يتدخل فيما لا يعنيه، بالطبع دائما هنالك نحس أقل، ولكنه لا يعفى صاحبه من أنه شؤم، تصور معي أن أحد أصحابك كلما يدخل إلى منزلكم تقطع الكهرباء من الحي كله، وأن هذه الحالة تكررت خمس مرات على التوالي، على الرغم من أن القدر وقانون الصدفة و(حركات ناس الكهرباء) هي من يتحكم في مثل هذه الأمور؛ لكنك في داخلك قد تصنف هذا الشخص أنه نحسٌ يمشي على قدمين، وسيصعب عليك أن تفسر الأمر بأنه صدفة، على الرغم من أن الصدفة مرات تفعل أشياء غريبة، ودونك حادث غريب وقع في أمريكا، فـ في إحدى مباريات (البيزبول) الأمريكية طارت الكرة لتضرب يد مشاهد كان ينظف أذنه بعود ثقاب، وكان أن خرق طبلة أذنه، لماذا اختارته الكرة بالذات من بين عشرين ألف مشاهد لتضرب يده ويثقب أذنه ويصاب بالصمم؟ لابد من أنها الصدفة التي هي ذاتها القدر، أناس كثيرون لا ذنب لهم في أشياء كثيرة، ولكن الناس تتشاءم بهم، ودونكم قريبي الذي قصصته عليكم، الذي أسمه (عبد الملك)، ولكن لا أدري لماذا أعتقد أن اسمه (عبد الوكيل)، هذا الفتى صار كلما يأتينا، ولو في زيارة ودية، ما إن تراه جدتي حتى تلتمع الدموع في عينيها، وتصرخ فيه ليخبرها من مات من الأهل هذه المرة، حتى اضطر لأن يتصل بنا قبل مجيئه ليخبرنا أنه (جاي عافية ساكت)!

(3)

ومن مظاهر الشؤم والسبور في مجتمعنا، عندما تدخل امرأة ولدت توأمان على امرأة نفساء، تتشاءم بها الأخيرة وتعتقد أن زيارتها تقطع عنها حليبها، وحتى يعود الحليب لها، لابد أن تقوم (أم التيمان) بجلب حفنة من رماد، ليس من الضروري أن يكون من نفس النوع الذي كال حماد، وتمسحه على ثديها، وهكذا سيعود الحليب ونعود أحباب زي ما كنّا، وهذه العادة لا زالت تمارس في الأرياف والمدن على حدّ سواء.!

أما في مصر، فـ تعيسة الحظ هي القطة التي تلد في بيت به امرأة نفساء، إنها تقتل أو تطرد، لأنها تسبب (الكبس)، وتكون سببا في جفاف لبن المرأة وعدم استطاعتها إرضاع الصغير، وبالمنطق السليم لست أدري من ينحس من، ترى هل تنحس القطة المرأة النفساء؟ أم النفساء هي التي تنحس القطة؟ تلد المرأة بكل سلام، ويكون نصيب القطة المسكينة الطرد أو القتل، أو تنال كلا الحسنيين، تُطرد أولاً، ثم تُقتل بالخارج، وهذا يذكرني بقصة الملك الذي خرج للصيد، فقابل رجلاً أعوراً، تشاءم به، فأمر بسجنه وضربه، وبعدما عاد الملك مُظفراً من رحلة الصيد، استدعى الرجل واعتذر له، هنا قال الأعور:

- أيها الملك المبجل أنت قابلتني فكان صيدك مُظفراً، وأنا قابلتك فضُربت وسُجنت بلا ذنب، ترى أينا الأشأم على الآخر؟!

تخريمة:

- تذكرتُ أن قريبنا اسمه (محمد أحمد).!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق