(1)
لست أدري ما الذي دها الشمس هذه الأيام لتقلب لنا ظهر المجن، وترفع درجة حرارتها فوق الأربعين، أخرج فقط خارج البيت خطوة واحدة في منتصف النهار، ستلسعك أشعتها الحارقة ولن تبالي بكونك شيخاً أو غافلاً.!
أعرف تماماً أننا نقع بالقرب من الخط التعيس الذي اخترعه الإنجليز والمُسمى بـ خط الاستواء، ذلك الخط الذي اتخذته الشمس مساراً لها، واختارته من جميع خطوط الدنيا لتتعامد عليه، وهو سبب ما نحن فيه من سخانة وتلظي، أظن أنهم سموه كذلك لأن الدول التي تقع عليه، مكتوب على سكانها أن يستووا على نار هادئة في الصيف، ودافئة نوعاً ما في الشتاء، وبين هذا وذاك في الخريف.!
سمعت في إحدى نشرات الطقس ذات مرة أن درجة الحرارة في أمريكا ارتفعت إلى أربعين درجة، مئوية طبعاً، فـ مات من جراء ذلك العشرات، هؤلاء القوم قتلتهم السخانة فقط، لقوا مصرعهم في درجة حرارة لو وجدناها هذه الأيام سنعتبرها جواً أوروبياً رائعاً مع درجة حرارتنا التي وصلت إلى سبعة وأربعين درجة، أكيد مئوية يا شيخ، ولو حضر أحد هؤلاء الأوغاد –الأمريكان- وقضى معنا ربع الصيف، أعتقد أنه سيموت بلا هوادة، وقد يشخص الطبيب الشرعي حالة وفاته بـ أنه تم تحميره بلا زيت.!
(2)
وزيد علينا مع السخانة غبار عالق وانقطاع في الكهرباء التي جعلتنا نحملق في المراوح الساكنة بأسى، لنغرق في العرق نهاراً، ونغرق بالليل في الظلام، وهذا يذكرني بمثل نطقت به جدتي ذات يأس ونصه يقول:
- على العلينا .. الكلب شايل نعلينا.!ٍ
لا أعرف أبعاد ومناسبة هذا المثل، ولكن أعتقد أن مؤلفه كان يمر بحالة ميئوس منها، لا يمكن أن يصلها بشر بـ الهيّن، وهو في هذه الحالة، أتى كلب ضال، وسرق نعاله، وأعتقد أنه يشبه المثل الذي يقول:
- نحنا في البير .. ووقع فينا فيل.
هذا أقصى ما أستطيعه في فك شفرة هذا المثل الجبار!.
(3)
قد تختلف معي وقد لا، ولكن أعتقد أن سخانة النهار يمكن أن تتأقلم معها، ولكن سخانة الليل أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد، وقد تجعلك تذهب لتفتح جهاز التكييف لتكتشفه إنك لا تمتلك مكيفاً من أساسه، وترجع إلى سريرك الساخن مستسلماً بأنه لا يوجد حل أرضي لهذه المشكلة، ولكن إذا كان لديكم ذلك الاختراع المسمى بـ الحوش الكبير، يمكنك أن تخرج سريرك في منتصفه وتتمدد عليه، وأنت في السرير طبّق هذه الاقتراحات، ابدأ بها واحداً واحداً حتى يداهمك النعاس.!
(4)
يمكنك أن تبدأ بـ عدّ النجوم، لا أعتقد أن هذا سيفرق معك كثيراً، فـ أنت أساساً ما عندك موضوع والكهرباء قاطعة، والنوم لا يأتي في الصيف بـ الهيّن، إذن لا تملك الكثير من الخيارات، بعدها يمكنك أن تتسلى بذكر الأيام الخوالي وبقايا الديار ومشية الظباء والعيون التي في طرفها حور، أو أن تتخيل نفسك وأنت قد صرت عجوزاً، وصار في العظام تحنياً بعد استقامتها وقصر في الخطى، ويمكنك أن تتخيل نفسك وأنت بالتجاعيد والصلعة البراقة، والنقة الكثيرة، وأنت تزعج أحفادك بالسعال المزعج، وتحاول أن تختلق الأعذار لتبرر وجودك على قيد الحياة بعد الستين، وإذا سألوك عن صحتك، أقترح أن تُجيبهم بتلك النكتة عن العجوز الذي يقول لمن يسأله عن صحته:
- أنا بخير.. لا ينقصني إلا الصحة والسعادة والمال.!
(5)
أو يا شيخنا فكّر في مستقبل البلاد، وإن لم يجدي هذا إليك اقتراح آخر لتقضي به ساعات الملل قبل النوم، يمكنك أن تقْرُض الشِعْر، قد تكون ليس بالشاعر المخضرم، ولكن يمكنني أن أبدأ لك وأنت أكمل الباقي، ما رأيك في هذه الأبيات:
رأيت الفراش ليلاً يحوم
يلفُّ يدور حول النجوم
ومع السخانة يأتي البعوض
ويأتي السموم.!!!
أنا أعرف تماماً أن الفَراش لا يحوم بـ الليل، وإن فعلْ، لا أعتقد أنه سيصل إلى النجوم، ولكن أنا وأنت لسنا بـ الشعراء النحارير، خصوصاً وأننا لن نطبعه في ديوان، ولن نشارك به في ليلة شعرية.!
على كل حال يمكنك أن تستغل هذه الفرصة وتحاسبك نفسك، وتراجعها قبل التصدع من شماليل النوى، وأن تتذكر ماذا قدمت لها بين يدي المولى، وأن ترفع يدك في الهزيع الأخير من الليل أن تُحل كربتك التي من ضمنها أن تعود الكهرباء، أو أن تهب عليك نسمة تبدد هذه السخانة.!
(6)
أما إن كنت مشوكشاً، أي هجرتك حبيبة القلب وتركتك معلول الفؤاد، فقد أتتك الفرصة على طبق من ذهب، أفعل كما قال العلماء: لا تضخم مشكلتك أعتبرها شيئاً صغيراً واختزلها رويداً رويداً حتى توصلها لمرحلة أن تكون أصغر من حبة السمسم، ثم بعد ذلك.. يمكنك أن ترميها لأقرب دجاجة عابرة طريق. هكذا يقول خبراء علم النفس وليس أنا، أنا ساهمتُ بـ الدجاجة فقط، ولكن يعجبني كثيراً الذي لا يعتقدون أن الشاكوش هو نهاية العالم، ويتوقعون بسبب شاكوشهم أن يحدث كسوف شمسي كُلي، أو أن يزحف الجفاف نحو غابات الدندر، أو أن تحترق النجوم بسبب أن لدى أحدهم إحباطاً عاطفياً.!
0 التعليقات:
إرسال تعليق