الأحد، 10 يناير 2010

العبد لله .. رجل أعمال..!!

(1)

كنتُ أتمنى أن أصبح مُخترعاً، أن آتي بشيء جديد يُخلدّ اسم السودان والعروبة وأمة الإسلام، ووجدتُ أن ذلك مستحيلاً، لأنني كنتُ أتلقى تعليمي في مدرسة تصرّ على تفريخ ببغاوات.. يشحنون رؤوسهم بالمقررات ليفرغوها في ورقة الامتحان، وينسون ما كتبوه بعد تسليم الإجابات مباشرة.!

بعدها تمنيتُ أن أكون فنانا تشكيلياً، كانت لدي مبادئ فن، إذ كنتُ أصمّم الجرائد والمجلات الحائطية للمدرسة وأنا في الصف الرابع، وأخطّ لافتاتها، ولكن لنفس السبب: هو أن المدرسة لم تسمع بعبارة (رعاية المواهب)، فتركتُ الفن التشكيلي إلى غير رجعة.

رغبتُ بعدها أن أكون إعلامياً، ولكن لم أكن، وذلك نسبة للأسباب السابقة مجتمعات.!

وهكذا سار بي الأمر، تمنيتُ أشياء كثيرة، وحلمتُ أحلاماً تكفي لإغراق الأسطول الأمريكي السادس كله، إذا وجدَتْ الفرصة السانحة والزمن الكافي، وبعد كل حلم وأمنية، أعود إلى صوابي مرة أخرى، وأتمنى أن يظل الحال على ما هو عليه، فـ ابن آدم عندما لا تتحقق أحلامه، تكون كل أمانيه ألا يرجع إلى الوراء، أن تكون على ما أنت عليه، لا تتقهقر ولا تتراجع؛ فهذا في حدّ ذاته حلماً يكاد أن يصير بعيد المنال.!!

(2)

هذه الأيام صارت إحدى أهمّ أمنياتي وأحلامي هي أن أصبح (رجل أعمال)، لأن رجل الأعمال -يا أحبتي- يستطيع أن يكون أي شيء، بإمكانه أن يكون فناناً وشاعراً وإعلامياً وكاتباً ومُلحناً وعالم فلك وخبيراً في الأشعة الكونية والثقوب السوداء إذا كان مُتحمساً، فرجل الأعمال بكل بساطة على تحقيق كل حُلمٍ قدير، عندما تكون رجل أعمال؛ هذا يعني أن هنالك صعاب كثيرة في هذه الدنيا ستُزال من أمامك، وحواجز أكثر ستختفي من حياتك، ونصيحة لك يا أخي: إذا أردت أن تحقق كلّ أحلامك في الدنيا، كُن رجل أعمال.! وهي شيء لا يتطلب المشقة والجهد الكبير كما يزعم البعض، واعتقد أن الوصول إلى مرحلة رجل أعمال ليس بالشيء الصعب، وإذا أردت أن تصير رجل أعمال؛ ببساطة كل ما عليك هو: أن تتحصل على المليار الأول، وبعدها سأدلّك على الطريق الذي يقودك إلى مصاف رجال الأعمال.!

وأعتقد أنني الآن في منتصف الطريق لتحقيق هذا الحلم، حُلم أن أكون (رجل أعمال)، أنا الآن (رجل) والحمد لله، ولكن تنقصني الأعمال فقط، وسأظّل رجلاً بلا أعمال حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض، ولكن لن أقتنع بأن أكون رجلاً فقط، فلابد للرجل أن تكون له أعمال، فرجلٌ بلا أعمال -في هذا الزمن الأغبر الأشعث الزاحف على بطنه- يعتبره المجتمع رجساً من عمل الشيطان.. فاجتنبوه يا أولى الألباب.!

والحقيقة أن الرجال ثلاثة: (رجل فقط)، و(رجل أعمال) و(رجل بلا أعمال).

الرجل الـ بلا أعمال أنت تعرف صفاته جيداً، وقد تكون أنت أقرب مثل.

ورجل الأعمال معروف، وهو من الممكن أن يكون أي شخص إلا أنت.

أما (رجل فقط)، فهذا النوع من الرجال لا أعرف كيف أصفه لك، ولكن (الرجل فقط) هو كل ما هو ليس برجل أعمال، وكل ما هو ليس برجل بلا أعمال.!

(3)

رجال الأعمال -يا عزيزي- لا يموتون أبداً، فمن النادر أن تسمع برجل أعمال مات، والحقيقة إذا سقطت قنبلة هيدروجينية مُعدّلة، وأبادت الحياة من على ظهر هذا الكوكب، سوف ينجو طُفيل الملاريا ورجال الأعمال.!

مصطلح (رجل أعمال) في حد ذاته جميل جدا، وأنا أشعر بمتعة عندما أتمطّق وأنطق به، (رجل).. و(أعمال) كمان، يا سلام.. فعندما تكون رجل أعمال فأنت لا تهتم لأشياء كثيرة في هذا الكون، أقلها أنك لا تنزعج بتاتاً إذا ارتفعت الأسعار، والحقيقة أن ارتفاع الأسعار لا يُشكّل أي مصيبة بالنسبة لرجال الأعمال، فقد خلق الله كائنات أخرى تحمل همّ هذه الأشياء البسيطة، وهم الرجال فقط، والرجال الـ بلا أعمال، لذلك يا عزيزي فوصيتي الخالدة لك هي: أن تكون رجل أعمال.! أنت ضع النية في قلبك، كُن رجُل .. وبعدها الأعمال بالنيات.!

من محاسن أن تكون رجل أعمال، هي أنك سيكون لك وزن وقافية وتشغل حيّزا في المجتمع، الجميع سيهتم بسعادتك، وسيزنون كلماتك بميزان الذهب، فرجل الأعمال عندما يبدو على وجهه الارتياح؛ فإن هذا خيرٌ للبشرية جمعاء، وإذا ابتسم فـ على الأرض السلام، وإذا ضحك فـ بالناس المسرّة.!

ولا تتهيب من أن تفكر في أن تصبح رجل أعمال، فرجال الأعمال هم بشر مثلنا، لا يزيدون علينا رأساً ولا قدماً، ولا يتفوقون علينا إلاّ بالأعمال، وأنت قد تتفوق عليهم بالأعمال الصالحات، فهم يضحكون مثلنا ويبتهجون وينفعلون، ويأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.

الحقيقة أنهم فعلاً يأكلون الطعام، ولكنه بالتأكيد ليس كطعامك، ويمشون في الأسواق، ولكن ليس هي ذاتها الأسواق التي تمشي فيها أنت، وهذا في صالحك لو كنت تعلم، فـ إذا قرر رجال الأعمال أن يأكلوا نفس صنف طعامك الذي تأكله أنت فهذه كارثة، سيصبح طلب الفول بنصف مليون، وإذا كانوا يشترون حاجياتهم من نفس الأسواق التي تشتري منها أنت، فهذه فجيعة، فبعد أقل من شهر، سيكون ثمن السفنجة الواحدة دي ربع مليون.!

رجال الأعمال متاح لهم أن يقولوا أي شيء في أي زمان ومكان، ولا أحد يعترض على كلام أحدهم، ومثال لذلك أن كل رجال الأعمال في الكون يقولون:

- (أن النقود لا تجلب السعادة)!!

كان الناس يفهمونهم بالخطأ عندما ينطقون هذه الكلمات الخالدة، ولكنني –حسب خبرتي وتجربتي الطويلة والعريضة والمنفرجة كرجل بلا أعمال- اكتشفتُ أنهم يقصدون:

- أن النقود القليلة هي التي لا تجلب السعادة.. أما النقود الوفيرة فتفعل ذلك بكل كفاءة.!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق