الأحد، 10 يناير 2010

من مساوئ وأضرار تشجيع كرة القدم

لستُ من هواة تشجيع كرة القدم، والحقيقة أن التشجيع هو آخر شيء يشغل بالي هذه الأيام، ولا أتخيل نفسي رابطاً رأسي بعُصابة لها لون وشعار الفريق، وأعتلي المدرجات وأصرخُ في هستريا صراخاً يشبه صراخ أسد يذبحونه في أحد مطاعم ألمانيا التي تقدم الأسود.. لو كان هذا صحيحاً، هذا شيء أراه مستحيلا، في حياتي لم أدخل إستاداً لتشجيع فريق ما، ولا أظن أنني سأفعل في المائة وتسعين سنة القادمة، وبما أنني أشاهدُ التلفزيون كل خمسة وثمانين سنة، لذا عندما أجد الفرصة لا أتابع مباراة متلفزة مهما كانت المغريات، وقنوات كرة القدم هي أول ما أتخطاه عندما أمسك بالريموت كنترول، وإذا سألني أحد لماذا؟ ستكون إجابتي أنني لا أستفيد أي شيء من تشجيع كرة القدم، بل واكتشفتُ أن للتشجيع مساوئ كثيرة جداً، سأتحفك ببعض منها.!

(1)

تشجيع كرة القدم يزرع المُكابرة في النفس، ويجعلك تعتقد أن كل أفراد ومشجعي الفريق الآخر أوغاد ويجب حرقهم أو سلخهم أحياء، وأنهم عبارة عن حمير ليس إلاّ، أنت وفريقك فقط على صواب، أما البقية فعليهم اللعنة، وهو مع ذلك يقتلع فيك روح الحياد من الأعماق، فأنت لن تعترف بنجاح خصمك بتاتاً، ومن المستحيل أن تجد ذلك المُشجع التقي الحكيم الذي عندما ينهزم يقول لك:

- أننا انهزمنا لأن فريقك هو الأفضل وأن فريقي لم يلعب بالمستوى المطلوب.!

لو رأيتِ مثل هذا الرجل يا ابنتي العزيزة فلا تفرطي فيه أبداً.!

(2)

التعصب في تشجيع كرة القدم يا عزيزي–شئت أم أبيت- يجعلك من مُدّعي الحكمة بأثر رجعي، حيث تجد أن مشجعاً عادياً، يطلق تصريحات عبقرية مثل أن:

- الظهير الأيمن (حسن شبُوتة) من المفترض أن يلعب في مكان الباك الشمال (مدثر شلّوت).!!

وبالطبع كالمعتاد.. أن أي مشجع يعتقد أن خبرته في الكرة أفضل من أي مدرب في الكون.!

(3)

من أكثر الأشياء التي لا فائدة منها في التشجيع هي: (النقاش في كرة القدم)، الكل يريد أن يثبت أنه الأفضل، وهو يعرف أن الآخر لن يقتنع، أحياناً قد تشهد مجموعة من الناس يتناقشون في شيء يخص كرة القدم، ولكنك لن تعرف أساس الموضوع بالضبط مهما كنتَ عبقرياً، وقد تجد الحوار على غرار:

- لا تجادلني يا جاهل .. الفشحخور أفضل بألف مرة من القشحلاظ .. !!

وبالطبع الآخر يحاول أن يثبت له العكس.!

أحياناً يتركون الكرة جانباً، وتجد أن (هذا) يريد أن يثبت أن (ذاك) أحمقاً، و(ذاك) يريد أن يثبت أن (هذا) وغدا.. بل وعتل زنيم.. وصفيق، وقد يصل النقاش إلى مرحلة: (وأخشى أن تطول يدايا منه ..إلى ما لا يطاوله لساني).!!

الأغرب تجد أن المُنهزم يجاهد كي يبرر الفشل، ولا يعترف بالهزيمة بتاتاً، ويجعلها أحياناً أفضل النصر، لم أجد لمثل هذا تشبيهاً فورياً، ولكنه في رأيي يشبه حبة الفاصوليا التي تتظاهر بأنها بطيخة.!!

(4)

تجد أن بعض المشجعين من هو كبير في السن، ومُصاب بحزمة أمراض أخفها السُكري، ومع ذلك تجده مُصاباً بمرض في القلب من النوع الذي يتفاغم بزيادة الانفعال، إذا حزن صاحبه حزناً شديدا قد يموت، وإذا فرح أكثر من اللازم قد يهلك، وتجد أن لدى الرجل كمية من الأدوية التي تُبتلَع وتُحقَن وتُشم وتُدهن وتُرش، أدوية تكفي لفرش شقة من ستة حجرات، وبلع الحبوب عنده أسهل من القزقزة بالفشار، وقلبو قاعد على الهبشة، وبعد كل هذا يجازف ويذهب إلى الإستاد ليشجع فريقه، وهو مهدد بالموت فرحاً إذا سجّل فريقه هدفاً، ومهدد بالموت حزناً إذا انهزم فريقه في المباراة، مثل هذا اعتبره يلقي بنفسه في التهلكة، وحسب رأيي أن هذا نوع من الشروع في الانتحار ليس إلا.!!

(5)

التشجيع يا عزيزي من أسباب فناء المال في غير محله، فأنت أحياناً تحتاج لهذا المال في البيت، فـ هنالك من يترك بيته بلا طعام ويدخل الإستاد كل ثلاثة أيام، يتابع كل مباريات الدوري، ويشاهد حتى تمرينات الفريق، ويشتري كل يوم خمس صحف رياضية، حتى ولو يبيت جائعاً.!!

(6)

التشجيع يُعزز روح الشماتة بين الناس والسخرية منهم، ومن المعروف عندما يشمت فيك أحد، ستغضب غضبة لو وُزعت على قبيلة (بني مخزوم) لأباَدتهَم عن بكرة أبيهم، ولن تترك مخزومي واحد حايم، وفي غضبتك هذه لو أن بيدك قنبلة نووية لألقيتها على (بني مخزوم) بلا تفكير.!

فـ من المفترض أن التشجيع يهذب النفس.. ويجعلها ذات روح رياضية عالية، تتواضع إذا انتصرتَ، وتحيي الفريق المنتصر إذا انهزمتَ، وتهنئه على فوزه، هذا ما يحدث بين اللاعبين بعد نهاية المباراة، ولكن المُشجعون يفعلون العكس تماماً، إذ يخرجون عن وقارهم، ويجعلهم التعصب يتصرفون تصرفات غريبة، فـ إذا رأيت هستريا التشجيع ستتأكد بأن القوم.. كل القوم قد فقدوا قطاعا لا بأس به من عقولهم، وأنهم أصيبوا بجنون البقر.. أو أنهم في الطريق إلى ذلك.!

(7)

التشجيع يا عزيزي إضافة إلى ما قد سبق، يؤدي إلى نشر الكراهية بين الأفراد والجماعات، وقد صار من أسباب القتل، وقد تكون قرأت قبل عدة شهور عدد من حوادث القتل بسبب التشجيع، ومنها أن مُشجعاً قتل صاحبه الذي يشجع الفريق الآخر، فتح رأسه بـ طورية أثناء نقاش كروي.!

بالإضافة إلى أن تشجيع كرة القدم من أهم أسباب الطلاق، وقد تكون سمعت بحكاية المرأة التي غاظت زوجها قائلة له:

- وييي .. غلبناكم.!!

فرد عليها بسرعة كاسحة:

- وييي طلقناكم.!!!

هسع في داعي لي ده؟!

(8)

تشجيع كرة القدم أحياناً يُفرق بين الابن وأبيه.. وبين الصديق وصديقه.. وبين الأخ وأخيه، ويوقر الحسد في القلوب، وينزع الوطنية من النفوس، منهم من يقول إذا لعب خصمي مع إسرائيل سأشجع إسرائيل.!!

التشجيع أحياناً ضار بالصحة .. وهو سبب في ارتفاع ضغط الدم والكلسترول.. ويورث الهمّ، ويؤدي إلى تلف الأعصاب، ويستنفد مخزونك من كظم الغيظ والاحتمال، ويجعلك من النوع قصير الفتيل، وفاقد التحكم نهائيا في أعصابك، وهو عبارة عن داء، من ابتلي به فقد ابتلى بشيء ثقيل على النفس والفؤاد.!

التشجيع يجعلك تتصف بالانطباعية في الحُكم على الناس، فأنت قد تتعرف على شخص رقيق الحاشية.. دمث الخلق.. ليّن العريكة، ومن النوع الذي لا يستطيع الفاعلون فعاله.. وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا.. وقد يُصبح صديقك في لحظات، ولكن ما أن تعرف أنه يشجع الفريق الآخر.. حتى تعتبره رجسٌ من عمل الشيطان.!

(9)

ختاماً -يا عزيزي- بالطبع أنا لا أقصد أن كل مشجعي كرة القدم كما ورد أعلاه، كلامي أعني به المتعصبين منهم، وحتى لا تزعل، أنت بالذات ليس كذلك، فـ المشجعون منهم من يتق الله حقّ تقاته، ويكفل اليتيم، ويشجع باعتدال، لا يسرف في الفرح إذا انتصر، ولا تؤثر الهزيمة على علاقته ببقية الناس، منهم من يشجع في بيته بصمت، لا يتشنج ولا يتعصب، منهم من لا يعطّل مصالحه من أجل مباراة، فإذا كنت من هؤلاء يا عزيزي .. فأنت ليس المقصود بهذا المقال .. بالتأكيد ليس أنت.!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق