الخميس، 7 يناير 2010

من عجائب الأمور في العالم الذي صار قرية.!!


(1)

يقولون إن العالم صار قرية صغيرة بفضل اكتشاف وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد على الأقمار الاصطناعية التي قرّبت المسافات والأفكار والأمم، وتستطيع بواسطتها أن تعرف خبر القاصي والداني، والقريب والبعيد، وبالأخص تلك التي تسمى (شبكة الانترنت)، هذه بالذات تجلب لك كل صغيرة وكبيرة تدور في العالم، فمن خلالها ستعرف أخباراً غريبة، مثل أن دجاجة بريطانية وضعت بيضة ديناصور، أو أن علماء فارغين وما عندهم شغلة يقضوها أجْروا دراسة ليعرفوا إذا ما كان الإنسان يسبح بسرعة أكبر في العصير أو الماء!! وستعرف أن هنالك عائلة في أسبانيا لم تُرزق بـ بنت منذ مائة سنة وكل مواليدها المتتابعين من الذكور، وأن السلطان عبد الحميد كان له فقط (ثلاثين ألف) زوجة لا غير، وأن الممثلة الفلانية حردت الغداء في الفندق لأنها وجدت قطعة (بقسماط) في صحن (الكانيلوني)، وفي جزيرة هاو الموجودة في الباسفيك يقوم العريس بتقديم المهر لعروسه الجميلة وهذا المهر عبارة عن عدد كبير من الفئران، وإذا كانت العروس غير جميلة فإن عدد الفئران يكون قليلاً، وكلما ازدادت جمالاً ازداد عدد فئرانها!!

وتستطيع أن تُكوّن عبر الانترنت علاقات مع أصدقاء من بلاد يركب سكانها الأفيال، وبلاد أهلها يركبون اللاندكروزر، وأخرى أهلها يركبون رؤوسهم. والانترنت به كذلك البحوث العلمية المهمة والدوريات التي تأتي بآخر ما توصل إليه العلم الحديث في أي مجال، بها الكثير الوفير من الأشياء المفيدة، وكذلك بها الكثير من الفارغات التي تضيع الزمن بلا فائدة.!

(2)

إذن فقد صار العالم قرية صغيرة، بل أصغر، وإذا كانت خيوط التكنولوجيا بيدك تستطيع أن تحصل على ما تريد من معلومات وأخبار ولكن هل كل سُكان هذا العالم من ضمن أهل هذه القرية؟ ونحن بالذات أين موقعنا فيها؟ هل نحن في وسط القرية أم في ضواحيها؟ وهل نتابع ما يدور فيها من أحداث وتطور وتقدم تكنولوجي؟ وهل نحن نتعامل مع أجهزة إلكترونية تؤهلنا لنكون من ضمن جيل التكنولوجيا؟ إذا كانت إجابتك نعم واعتبرت نفسك من أهل القرية المتقدم أهلها؛ إذا دعني أنقلك في رحلة قصيرة لنقترب عن بعد من سكان العالم خارج القرية التي أهلها ليسوا كثيري العدد في بلادنا، فـ إذا أجري تعدادا لتعرف عدد من يعرف كيف يفتح جهاز الكمبيوتر ويقفله، ستجد نسبة بسيطة جداً، فعلى الرغم من أن طرف رأس سوط التكنولوجيا لحق ببعض أهل العاصمة، والقليل جداً من أهالي المدن الأخرى؛ إلاّ أن الأمر في مدن أخرى لا يسُرْ.!

مررتُ ذات مرة بموقف يعزز قولي، وكان ذلك في مدينة امتنع عن ذكر اسمها، في منتصف السوق التقيت بشخص لا أعرفه اخترته عشوائياً، وشكله يدل على أنه ابن مدينة، سألته إذا ما كان قد سمع بالانترنت، فـ أجاب على الفور أن (الانترنيت) هذه ماركة جلابية ظهرت منذ فترة!!

بالطبع لا يمكن لأحد أن يُكّون رأياً حول قضية ما من خلال استطلاع شخص واحد، ولكن الحال يغني عن السؤال، فنحن حظنا من التكنولوجيا قليل، وبحسابات منطقية أننا نكاد نكون خارج مظلة التكنولوجيا، وحتى أن المواقع السودانية على شبكة الانترنت قليلة إلى درجة مخيفة، والمحتوى السوداني على الشبكة يكاد يصل إلى درجة الانعدام.!

دعك من الحاسوب والانترنت، فهو خلاصة التكنولوجيا، ولا يتعامل معه إلاّ القليل، ولكن لننزل إلى شيء أقل، سأحكي لك موقفاً كنت فيه شاهد عيان، فـ في أحد مراكز الاتصالات حضر رجل وقال لـ عاملة الاتصالات:

- يا بت دايرك تضربي لي تلفون لي حاج حمد!

الفتاة: جداً يا حاج .. أديني نمرة التلفون!

الرجل: نمرة شنو يا بتي .. دخلي الاسم ساي بجي معاك.!!

فـ هذا رجل داخل المدينة سمع بالتلفون ولكن لا يعرف له رأساً ولا عقب، فالعالم قرية صغيرة للبعض، وصحراء شاسعة المساحات ومعقدة التفاصيل لبعض آخر.!

(3)

نحن بحكم استقرارنا في المدن نتعامل مع معطيات التكنولوجيا وبعض الآلات الحديثة نوعاً ما، ولكن إذا خرجت إلى القرى والريف ستجد أن منهم من لم يسمع بأبسط الأشياء كـ التلفزيون والراديو وغيره، سأحكي لك واقعة حقيقية عسيرة التصديق لكنها حدثت فعلاً.!

أحد أصدقائنا يعمل في شركة تُوزّع أدوية في القرى البعيدة، أجبرته الظروف للمبيت في حلة مقطوعة تماماً عن عالمنا الذي صار قرية، مع حلول الظلام الدامس أخرج مصباحه الصغير (بطارية) وأولعه ليبدد به الظلمة .. ما إن فعلها حتى جرى نحو أحد الأهالي مُهرعاً ومندهشاً من هذا الشيء العجيب الذي بيده .. ودار بينهما الحوار التالي:

- ده شنو ده؟!

- دي بطارية.

- بتسوي بيها شنو؟!

- بولعها ..يعني بطلع منها نور.!

- كدي أكتلها!!! (يقصد أطفيها).!

- ……….!

- أوقدها تاني!!! (يقصد أولعها).!

- ………!!

- عليك الله تاني أكتلها وتاني اوقدها.!!

- ………!!

بعدها ضرب الرجل يداً بيد وقال باندهاش : (والله ابن آدم ده ما غلبتو إلا الروح).!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق