الأحد، 10 يناير 2010

ضربة في الكلب..!!

(1)

الخوف من الكلاب غريزة بشرية قديمة، إذ أن الإنسان درج على الخوف من كل حيوان من فصيلة آكلي اللحوم، والخوف من الكلاب أحياناً يصل إلى درجة المرض، هُنالك من الناس من لديهم ظاهرة خوف مرضية تجاه حيوان معين، ليس بالضرورة أن يكون كلباً، تجد من يخاف من الضفادع، وغيره من الضب، وثالث من السحالي، على الرغم من الأخيرة لا تؤذي البشر إطلاقاً؛ إلا أن البعض يخاف منها إلى حد الموت، وقد تكون سمعت بـ حوادث من نوع: فتاة ماتت لأن أخاها الصغير رمى فيها ضفدعة، أو شاب في ريعان شبابه مات رعباً عندما وجد ضباً في بنطلونه.!

أما الكلب فـ يختلف، فهو من أكثر الحيوانات الأليفة التي تسبب الرعب في النفوس، ومن الناس من يُصاب بخوف هستيري يجعله يقع في النهر وهو لا يعرف السباحة من أجل الهرب من كلب مذعور.!

والحقيقة أنني لستُ أدري لماذا يُربي شخص ما كلب شرس في بيته؟ خصوصاً إذا لم يكن يملك شيئاً مهماً يخاف عليه من ذهب ونقود ومصوغات وغيرها، كلبٌ كهذا لن يجلب له سوى سخط المارّة والجيران، إذا انفطر قلب سيدّة من الرعب بسبب نباح كلبك، سيكون ذنبها عليك، إذا عضّ ابن الجيران، فأنت المذنب، إذ سرق عشاء جارك، لا أحداً يتحمّل هذه المسئولية سواك، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب)، والحقيقة أن الكلاب الشرسة في المنازل ترهب السكان الآمنين أكثر من اللصوص، قد يقول أحدكم أن الكلاب تمنع اللصوص من الاقتراب من المنزل من البداية، ولكن اللص إذا أصرّ على دخول منزل ما، سيدخله حتى ولو كان يحرسه نمر من فصيلة الببر.!

(2)

ذهبتُ ذات مرةّ لصديق لي كان يُربي كلباً ضخماً، لونه أسود شنيع، ولا يصلح كحيوان منزلي بتاتاً، وخُيل لي أن الكلب عبارة عن خليط غير موفق بين ذئب تعس وضبع قبيح، وهذا الكلب لا يميّز كثيراً بين اللصوص وبين المواطنين، كلّ همه ألاّ يقترب أحد من المنزل سوى أفراد العائلة الكريمة.!

طبعاً كعادة أصحاب الكلاب الشرسة عندما تنوي زيارتهم يقولون لك:

- لا تخاف آ زول.. ما بضُرّك نهائي.. ده كلب مُسالم.!!

والحقيقة أنني منذ زمن طويل كففتُ عن تصديق من يقول لي: أن كلبه مسالم، وهو في ذات الوقت يربطه بجنزير غليظ على باب المنزل.!

توكلتُ على الله وذهبتُ لزيارة صديقي على أساس أن الدنيا نهار والكلب مربوط في جنزيره، أنا لا أخاف الكلاب، ولكن ليس معنى هذا أن أكون أرعناً وأكلّف نفسي عناء حقن السعر التي تطعن تحت السرة مباشرة، من أجل إثبات شجاعة حمقاء، المُهم، طرقتُ الباب حتى كلّ متن العبد الله، وبدلاً من أن يفتح الباب صديقي، إذا بالكلب التعيس يعتلي الحائط بحماس غريب ليكشّر في وجهي وراسماً على وجه تعبيراً يقول:

- اليوم سأخرب بيتك أيها الملعون.!

نزل الكلب من على الحائط بثقة، وقف أمامي وجهاً لوجه، وصديقي الأحمق لم يأت ليفتح الباب بعد، تراجعتُ إلى الوراء ونظرتُ على الأرض لألتقط حجراً، ولكن كما تعلمون أن الحجارة كالمال تختفي حين تحتاج إليها، تقدّم الكلب نحوي بخطوة ولعابه يسيل من شدقيه، وتراجعتُ ثلاث خطوات، وتذكّرتُ هنا أنه في أحد أفلام الأكشن، أن بطل الفيلم واجهه كلب شرس يريد أن يفتك به، مدّ البطل يده بثبات وربّت على عنق الكلب وصار يدغدغه له، الكلب عجبه هذا المسّاج المجاني، فهزّ ذيله في مرح، نبح في سعادة وفتح له الطريق، حاولتُ أن أقلّد هذا الأسلوب، ولكن غيّرت رأيي بسرعة، ما أدراني لعلّ هذا الكلب لم يُشاهد الفيلم.!

وبعد أن تأكدتُ أنني في ورطة حقيقية، اتخذتُ وضعية (جاكي شان) في أحد أفلامه، ووقفتُ وقفة يُطلق عليها المصوّرون (ثلاثة أرباع خلفي)، كان من المُمكن أن أزيدك وصفاً في وقفتي أمام هذا الكلب اللعين، ولكنني كنتُ في ظروف لا تسمح لي بتحليل جماليات الكادر، خصوصاً وأنّ الوقت لم يكن مناسباً للتشبيهات الفلسفية، ولكن الحمد لله فُتح الباب، وظهر صديقي، أمر الكلب أن يبتعد، تصلّب الكلب وهو ينظر لصاحبه مترددا وفي عينيه نظرة تقول:

- دعني أعضّه هذه المرة فحسب.. وفي المرات القادمة سأكون كلباً مطيعاً.!

نهره بصوت عالٍ، و أخيراً هزّ الكلب ذيله بإحباط وذهب، تنفستُ الصعداء، والتفتُ إلى صاحبي بغيظ، وقلتُ له:

- لو إتأخرت تلاتة دقائق كان حـ تجي تلقى بواقي عظام.. وكلب مُصاب بـ عُسر هضم.!

ضحك باستهتار وقال لي:

- ما تخاف ياخي ما كان حـ يسوي ليك حاجة.!

اغتظت كثيراً من عبارته الأخيرة، والحقيقة أنه وغدٌ محظوظ في هذه اللحظة بالذات، لأنه ليس بقربي بندقية آلية من طراز (كلاشنكوف)، لأنني كنتُ سأستخدمها في غرض واحد أعرفه جيّداً.!

(3)

صارحتُ صاحبي بأنني لن أزوره بعد اليوم بتاتاً، حتى يتخلّص من هذا الكلب، وقد اتضح لي سبباً سلبياً أخر يمكنك أن تضيفه إلى مساوئ الكلاب، وهي تبعد عنك الأصدقاء والجيران وتؤذي عابري السبيل، وتسبب لهم الرعب، حتى أنني أذكر أن جاراً لنا كان يملك أكثر من ستة كلاب شرسة وضخمة، صادف أن جدّي المرحوم مرّ بشارعه، هاجمته الكلاب وطرحته أرضاً، وعضضته في مواضع كثيرة، ولو لم يأتِ أحد المارة بذلك الطريق لينقذه مصادفة، لكانت قد فتكت به، في المستشفي قال لنا صاحب الكلاب في عبقرية يُحسد عليها:

- كلابي ما مصابة بالسعر.!

يا سلام، وماذا عن الإصابات التي سببتها كلابه في جسد جدّي؟ ماذا عن أثر الأنياب والمخالب الذي لن يمحوه الزمن؟ وماذا عن الإصابة النفسية التي سبّبت له شرخاً كبيراً في دواخله؟ أليس هذا مرعباً مثله ومثل السَعَر؟ وأنني أحتار، أنّ في القانون مادة تدين الذين يزعجون جيرانهم بالصوت العالي، ولكن لم أجد مادة تدين من يرعبون جيرانهم بكلابهم، إذا كان لديك –عزيزي المواطن- مالاً أو متاعاً تخاف عليه، من الأفضل أن تذهب به إلى البنك أو اخترع له أيّ بديل حماية آخر، بدلاً من أن توكل لحراسته كلباً يكون سبباً في ترويع الناس وصبّ اللعنات عليك من كلّ جانب.!


0 التعليقات:

إرسال تعليق