الأحد، 10 يناير 2010

الجهود الحثيثة في سماية بت نفيسة..!!

(1)

بعد أن بدأت بطنها بـ التكوّر مُعلنة قدوم ضيف جديد؛ كانت كل الدعوات التي تسمعها (نفيسة) على صيغة: (ربنا يرزقك بي بت)، نعم .. كانت هي الأمنية التي تترقبها (نفيسة) بعد أن رُزقت بـ أربعة أولاد، حتى أن زوجها (إبراهيم) صار يتمنى البنت بعد أن اكتفى من الأولاد، وأولاده الأربعة هم كذلك صاروا يتمنون أن يُحظوا بـ أخت، أخوات نفيسة كذلك صِرن يمطرنها بالدعوات أن ترزق بـ بنت، وجميع نساء الحلة يدعون لـ نفيسة بـ البنت، وهكذا صارت البنت هي مطلب الجميع، حتى أن من كانت ينقصها الموضوع ومن لم تكن؛ صارت تعدّ الأيام والشهور وتترقب البنت.!

(2)

في ذلك اليوم، انطلقت الزغاريد من مستشفى المدينة المجاورة، وانهالت التهاني على (نفيسة)، التي لم تخيّب الظنون وأنجبت بنت، الكُل لم تسعه الفرحة، فقد تحققت الأمنية أخيراً، وصارت البنت هي محور كل حديث، فـ هذه تقول أن عيونها تشبه عيون أمها نفيسة، وأخرى تضيف أن أنفها هو ذاته أنف إبراهيم، وثالثة تؤكد أن أذنها تشبه أذن حبوبتها.!

بعد كل ما سبق من تعليقات انتقل الجميع للسؤال المهم وهو:

- ما هو الاسم الذي ستختاره (نفيسة) لـ ابنتها؟!

(3)

اقترب موعد السماية، أحضر إبراهيم كبشين أقرنين أملحين ليذبحهما في سماية بنته التي لم يختاروا لها اسمها حتى الآن، وفي جلسة جمعت بين إبراهيم وزوجته دار هذا الحوار:

- أها يا نفيسة .. ما اخترتي اسم لـ البنيّة؟!

صمتت نفيسة قليلاً ثم قالت:

- دايرة أسميها (وجدان).!

هتف بها إبراهيم في استهجان:

- وجدان؟!!

ثم أضاف زوجها:

- الحقيقة يعني .. أنا كنت داير أسميها على أمي!!

صرخت نفيسة في دهشة:

- داير تسمى البت (كلتومة)؟!!

- أيوه .. اسم (كلتومة) مالو .. يعني ممكن تكون (أم كلثوم) .. و(كلتومة) يكون اسم دلع ساي!

مصّت نفيسة بعض العرديب ثم قالت بـ استياء:

- يعني اسم كلتومة ده ما شايفو قديم شوية؟!

- لا قديم ولا حاجة .. وانا من دربي ماشي على امي .. أبشرها وأقول ليها البت سميناها عليك (كلتومة).!

(4)

الغريب في الأمر أن (حاجة كلتومة) والدة إبراهيم رفضت أن تُسمَى البنت على اسمها، وكان السبب غريباً بعض الشيء.!!

- ليه يا حاجة ما دايرة البت تشيل اسمك؟!

- والله يا ولدي بتك دي من قبل ما يلدوها أنا حجزت ليها اسمها!

- والله ؟!.. الله يديك العافية يا حاجة .. أها دايرة تسميها شنو؟!

- دايرة أسميها (التاية) على اسم أمي الله يرحمها.!

حملق إبراهيم في والدته بـ اندهاش ثم قال:

- التاية؟!!

وأضاف بذات الذهول:

- يعني ما شايفة الاسم ده قديم شوية؟!

هزت والدته رأسها بعناد:

- لا .. لا قديم ولا حاجة .. من دربك ده طوالي تسميها (التاية)!

ثم فجأة انفجرت في بكاء حار وهي تغمغم:

- يا حليلك يا أمي .. التاية .. الضواية!!

هدأها ابنها وهو يقول لها:

- خلاص .. خلاص يا حاجة .. نسميها (التاية)!!

خرج إبراهيم وهو يطنطن:

- البت أمها قالت يسموها (وجدان) .. وأنا قلت يسموها (كلتومة) .. وأمي قالت يسموها (التاية) .. دي يحلوها كيف؟ .. كدي نمشي على ابوي في الدكان .. يمكن يكون عندو راي تاني!!

(5)

جلس إبراهيم مع والده وحكي له الأسماء المقترحة لـ ابنته، إلا أن والده كان له رأياً مخالفاً.!

- أمك دي جنّت وللا شنو؟… تسمي البت (التاية) ؟!

هتف (عبد الجبار) والد إبراهيم بـ العبارة أعلاه بـ قوة!

أجابه ابنه في إحباط:

- نسوي شنو يا حاج .. قلت أمشّي كلامها عشان أرضيها .. زعل الوالدة صعب.!

- ده كلام فارغ .. البت دي أنا اخترت اسمها من قبل ما يلدوها زاتو!!

تهللت أسارير إبراهيم ولاح له بارق أمل في تغيير اسم (التاية) إلى اسم أخفّ وطأة، وهتف بـ سعادة:

- صحي يا حاج .. الله يديك العافية .. اخترت ياتو اسم؟!

حمحم حاج عبد الجبار ثم قال:

- نسميها (الليمونة) .. على اسم أمي!!

(6)

كاد إبراهيم أن يُصاب بـ اكتئاب، فـ صغيرته حتى الآن لديها أربعة أسماء (كلتومة) .. (التاية) .. (الليمونة).. (وجدان).. ومن اقترحوا هذه الأسماء لا يستطيع أن يكسر لهم رأيا، وهذه في رأيه ورطة كبيرة، فكّر في رأي آخر، فـ هو حتى الآن لم يشاور أخوانها الأربعة، فـهم لهم كلمتهم أيضاً.!

بعد أن اجتمع بهم، وجدهم الأربعة قد اتفقوا على اسم واحد.!

- جميلة؟!

نطق بها الابن الأكبر، وهو يخبر والده بـ الاسم الذي اتفقوا عليه، ذهب عنهم والدهم وهو يشعر أن الموقف تأزم أكثر، ماذا سيسميها الآن، فـ الأولاد قد زادوا الأمر عِلة، وفكر في أن يجتمع بـ الجميع، وبعدها سيقرر ما يتفقون عليه.!

(7)

في جلسة عائلية ضمّت إبراهيم ووالديه، وزوجته وأبناءه الأربعة، اجتمعوا ليناقشوا أي اسم سيختارونه لهذه البنت.؟!

نطق الجميع بـ صوت واحد:

- التاية.!

- الليمونة.!

- وجدان.!

- جميلة.!

وأضاف إبراهيم:

- كلتومة!

ثم قال:

- كِده ما حـ نصل لأي قرار!

وبعد نقاش دام لـ خمس ساعات، اتفق القوم على رأي غريب، وهو أن أي واحد سينادي البنت بـ الاسم الذي يروق له.!

(8)

مضت سبعة أعوام والبنت والدها يناديها بـ (كلتومة)، ووالدتها تناديها بـ (وجدان)، وحبوبتها بـ (التاية)، وجدها بـ (الليمونة)، أما الأبناء الأربعة فينادونها بـ (جميلة).! تأقلمت البنت على هذا الوضع الغريب، واستطاعت أن تستوعب الأسماء الخمسة، إلا أن الحال من المستحيل أن يدوم هكذا، فقد حان وقت إدخالها المدرسة، وبما أن القرية ليس بها نظام (رياض الأطفال)، وشهادات الميلاد عادة ما تُستخرج لـ الطفل في أول عام له في المدرسة؛ لذا فقد طالبت مديرة المدرسة بـ اسم موحد للبنت حتى يمكن تسجيله في شهادة الميلاد، وبعد أن تشاور الجميع اتفقوا ولـ أول مرة على القرار الصحيح، وهو أن يستشيروا صاحبة الاسم نفسها، فـ بسنواتها السبع تستطيع أن تختار اسمها الذي يحلو لها.!

فكّرت البنت، وكان الكل يغمز لها أن تختار تسميته، وحتى تخرج من هذا المأزق، أتت بفكرة محايدة، وهي أن تختار الحرف الأول من كل اسم، وما سيأتي سيكون اسمها!.

وافق الجميع على رأيها، وتولى أحد الأولاد عملية رص الأسماء عشوائياً، فـ كانت كالآتي:

- كلتومة!

- التاية!

- الليمونة!

- وجدان!

- جميلة!

وبعد أن تم تجميع الحرف الأول من كل اسم مع استبعاد ألف لام التعريف صار الاسم الجديد هو (كتلوج) .. نعم وافقت البنت على هذا الاسم، وتم تسجيلها في المدرسة بـ الاسم الجديد: (كتلوج إبراهيم عبد الجبار).!

0 التعليقات:

إرسال تعليق