إن من عجائب الأمور في شبكة الإنترنت، أن هنالك موقع إلكتروني للتسلية، تدخل فيه تاريخ ميلادك باليوم والشهر والسنة والنوع (ذكر/أثنى)، ويوجد مربع للأسفل قليلاً تختار منه الحالة المزاجية (متفائل/متشائم/سادي) والسادي هو الذي يستمتع بتعذيب الآخرين، ولست أدري ما الذي أدخله هنا – صبرك معاي سأخبرك ما سيفعل الموقع بهذه المعلومات- وآخر مربع تختار منه (مدخن/غير مدخن)، وبعدها أضغط على مربع موافق ليخبرك الموقع بميعاد (وفاتك) .. أي والله العظيم.. إنه موقع أجنبي متخصص في معرفة مواعيد الموت حسبما يزعم أهله المغفلين –استغفر الله العظيم- وقد وجدتُ قبلي الكثيرين ممن دخلوه وخرجوا ما بين مذهول ومستغرب ومحبط وقانع من خير الدنيا الزائلة ومايلة.!
عموماً بما أنني ما خسران حاجة، قررت أن أتخذ قراراً شجاعاً وأخوض التجربة، أنني مؤمن تماماً بأن كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وأن هذه الدنياً آخِرها كوم تراب، لذا سأملأ البيانات وسأرى تكهنات هذا الموقع المخرف ماذا ستقول، وعلى الأقل سيكون هذا حافز ليتذكر المرء ميعاد الرحيل، حتى يكثر من صالح الأعمال، لتنفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون، أعرف تماماً أن لكل أجل كتاب لا يعرفه سوى الخالق عزّ وجل، لذلك لا ضير من التجربة.!
(2)
توكلتُ على الحي القيوم وملأتُ مربعات العمر باليوم والشهر والسنة حسب ترتيبها في الموقع، وحددتُ النوع، أما مربع الحالة المزاجية فـ اخترت منه (متفائل) -أخشى أن أختار متشائم فيكتب لي أنني من المفترض أن أتوفى قبل خمسة سنوات، وقد يكتب لي ملحوظة صغيرة يقول فيها: (إنتَ القاعد ليها شنو لي هسع..!!؟)، تبقى لي مربع الوزن، وبما أنني آخر مرة وزنتُ فيها جسم العبد لله كانت قبل سبعة سنوات في ميزان يحمله طفل صغير تحت مظلة في السوق العربي؛ لذا كتبتُ ذات الوزن الذي أعتقد أنه لم يزد كثيراً، أما مربع (مدخن/غير مدخن) اخترتُ غير مدخن وهذه حقيقة، وبعدها ضربتُ أكباد (الماوس) وتوجهت بـ مؤشره نحو مربع مكتوب عليه بما معناه: (أضغط هنا لتعرف متى ستموت)، وهنا ترددتُ .. أضغط .. وللا ما أضغط .. الله يستر أقوم أضغط يقول لي حـ تموت بكرة عندما تميل الشمس نحو الغروب، وسينتهي العزاء بانتهاء مراسم المقال، ونتقبل تعازيكم على موتي المزعوم بمقر الصحيفة، المهم .. رفعتُ شعار (يا غِرِقْ .. يا جيت حازما).. وبعد دقيقة واحدة اتخذت قرار مصيري، أولاً سألتُ الله أن يُطوّل في عمر أمة الإسلام، وقلت في سري: قليلها رايح .. وكتيرها رايح .. توكلت على الحي القيوم مرة أخرى، وضغطت المربع.. بعدها .. هذا الموقع الدجال الأشر كتب لي أنني سـ أنتقل إلى جوار ربي في عام (ألفين واطناشر) بالضبط، كمان واقع يوم أحد، أي أنني تبقتْ لي في هذه البسيطة ثلاث سنوات فقط .. أنا الذي إذا ضُربتْ سنوات عمري في نفسها ثلاث مرات؛ لما وصلت إلى عمر كهل إذا واحد جاب لهو سيرة الموت يمكن يخسرو في دقيقة، غايتو الدوام لله .. وفي صفحة منفصلة لم يُقصّر موقع الإنترنت، أظهر لي عداد تنازلي يعمل بالثواني، حسب لي ما تبقت لي من سنين بالثواني، أنظر لهذا المفتري، فأتى الناتج كم مليار ثانية كده، اطمأننت نوع ما، ولكن بعدها بدأت الثواني تتناقص بشكل سريع، وكأنها تخبرني بأن الحياة دقائق وثواني، في هذه اللحظة ..جردتُّ كل سنوات عمري الكم وعشرين ديك، لأرى ماذا قدّمتُ لها بين يدي الله، فـ وجدتُ أن الحال لا يسُر، وقلت الله لا يوفق هؤلاء الزناديق الذين صمّموا هذا الموقع، تذكرتُ حينها أبيات الإمام الشافعي التي قال فيها:
تمنى رجالٌ أن أموت وإن أمُت * فتلك سبيلٌ لستُ فيها بأوحدِ
وما موت من قد مات قبلي بضائري* وما عيش من قد عاش بعدي بمخلدِ
وسألتُ الله أن يرحمني إذا دنا الرحيل، وأزف التحويل، وعرق الجبين، وأن يتولاني إذا واراني التراب، وودعتُ الأحباب، وفارقتُ النعيم، وانقطع النسيم – عزيزي القارئ أرجو ألاّ تتناول صندوق المناديل- والله ناس الموقع ديل كضابين ساكت، لأنني في هذه اللحظة دخل صاحبي ووجدني واضعاً يدي على رأسي وأنا أحسب ما تبقت لي من الأيام، قصصتُ عليه الأمر، وقلتُ له أن يجرّب، وبما أنه مُحبط بالفطرة، ويشتكي من العطالة والفلس، ولا يخشى سوء المنقلب، بدأ يكتب وهو يقول لي بقنع:
- إن شاء الله يقول لي حـ أموت في بكرة القريبة دي!
سألته أن يحسن الظن بالله، ولا يقنط من رحمة المولى، وبالفعل ملأ البيانات كلها، كتب في مربع السنوات أنه من مواليد ألف وتسعمائة وخمسة وسبعين، وأنه غير مُدخن، وغير متفاءل بتاتاً، وضغط مربع موافق، وكانت المفاجأة أن الموقع كتب له أنه من المفترض أن يتوفى منذ العام ألفين وثمانية، أي والله، نظرتُ في وجهه لأرى وقع الأثر عليه، فوجدته قد صمت قليلاً، ثم أطلق ضحكة مجلجلة، طالت ضحكته حتى خفتُ عليه أن يمسك الدرب ويقوم يجن عديل.!
(3)
بعدها .. أغلقت جهاز الكمبيوتر، وأنا متأكدٌ تماماً أن هذا الموقع يعمل خبط عشواء، وأن أهله صمموه للتسلية لا غير، وتوصلتُ لأنه إذا كانت هنالك فائدة من هذا الموقع الإلكتروني؛ فهو قد يذكرك بأن الحياة قصيرة، وأن تعمل فيها لآخرتك كأنك تموت اليوم، لأنه لا تدري نفس ماذا تكسبُ غداً، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، أها يا جماعة نفوتكم بي عافية.!
0 التعليقات:
إرسال تعليق