الأحد، 10 يناير 2010

المخيف في طب الريف!!

(1)

العاقل طبيب نفسه، عبارة يمكن العمل بها في كل زمان ومكان، وبالأخص في الريف البعيد، حيث تجد الجميع هناك أطباء، بل وبلا حدود، ويستطيعوا أن يفتوا في أي حالة، ومن الصعب أن يقتنعوا بـ كلام الطبيب، هذا إذا كان يوجد بينهم طبيب من أساسه، وعبارة (أسأل مجرب) تملأ فراغ كل طبيب هناك، إذا ابتدأنا بـ(ألم الضرس) مثلاً، الكثيرون يعالجونه بوضع سفة صغيرة!! فـ القوم هناك اكتشفوا أن (التمباك/ السعوط/التبغ) ينفع كـ (حشوة) للضرس المتهالك، وهذا أقصى ما يعرفونه في طب الأسنان، وأذكر أن أحدهم آلمه ضرسه، فاستشار قريبه الذي يعمل سائق كارو، فهداه -أقصد ضله- إلى سواء -أقصد اعوجاج- (السعوط)، وصاحبنا هذا ذهب لمحل (العماري) واشترى كيساً سميناً، ودردم له سفة معتبرة، ووضعها في الضرس المتألم مباشرة، وبعدها أدرك أنه أقدم على حماقة كبيرة، حيث تسرب عطرون السفة مع باقي المكونات، فأصابه بألم يشبه وضع شطة حمراء بالليمون على جرح مفتوح.!

(2)

إذا جرح أحد ما في ريف ناءٍ، سيجد هنالك شتى الأنواع من الضمادات غير المعقمة، التي يقطعونها من كيس مخدة قديم، وأحياناً باقي الملايات التي تمزقت قبل ثلاثة أعوام، ويلفون بها الجرح، وهذه العملية لا يفعلها إلاّ ذو فكر طبي يقيم عواقب الأمور، أما غيره فيستخدم بدائل أخرى، وأذكر مرة في أحدى القرى رأيت صبياً صغيراً جُرح في قدمه، فاستخدم نظرية العاقل طبيب نفسه وملأ جرحه بالتراب!! وبعد يوم واحد رأيته وقد التئم جرحه تماما، نعم التئم جرحه ولكن لا أنصحك بتكرار التجربة، وهناك آخر عندما جرح في إصبعه، شاور أصدقائه المقربين، الذين أقنعوه بأن (يتبول) على جرحه وسيبرأ بإذن الله! وأخبروه بأن هذه العملية مجربة ونفعت مع غيره كذا مرة.

لا أدرى ما حدث بعدها، ولكنه لا شكّ أنه سواها ولم يخف عقباها، ألم أقل لك أن القوم هناك أطباء وصيادلة واختصاصيو جراحة، وخبراء في الانشطار النووي إذا لزم الأمر، فمع عدم وجود مركز صحي في قرية بـ أكملها، لا تستغرب إن استعمل (السعوط) كـ مخدر موضعي، والتراب بدلا عن المضاد الحيوي، والبول يحل محل المُطهر.!

أما (الرماد) فله حظه في الأدوية، فهو يستعمل في تضميد (الفلقة) الناتجة من ضربة عكاز أو حجر أو نحوه، والضرب بـ العكاكيز هناك أسهل من أكل الخبيز، فإذا ضُرب أحدهم في أم أو أب رأسه ونزف، سيذهب الطاقم الطبي المصاحب الي أقرب (كانون) ويخمون من تحته بعضاً من الرماد، من نفس نوعية الذي كال حماد، و(يلبخون) به رأسه، ثم يُلفّون الرأس بأي شيء، عدا القطن الطبي أو الشاش.!

أما الحروق الصغيرة التي تصاب بها النساء والناتجة عن لمس صاج (العواسة)، أو إنزال (حلة الملاح) ساخنة فهذه عادة ما تدهن بمعجون الأسنان.!

(3)

ومما يدل على أن العلاج في الريف تكفي له الحماسة والنية الصادقة، أذكر مرة أحد الأهالي أصابه (الروماتيزم) على حين غِرّة، هنا وهناك يسمونها (الرطوبة)، جعلته لا يستطيع الحراك من السرير، طاف به أهله الكثير من الأطباء والشيوخ والمتخصصون في (فكّ العمل)، وكلّهم لم يجدوا له علاجاً ناجعاً، إحدى (حبوباته) أرشدته الي (الجازولين)، أن يمسح به ركبتيه ثلاثة مرّات في كل يوم، وفعلها، وبعد يوم واحد فقط قام كـ الحصان!

إذا كنت مصاباً بـ (الرطوبة) أنصحك لا تستعمل هذه الوصفة بتاتاً حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه.!

حتى في زمننا هذا يوجد بعض الأهالي ممن يستخدمون (النيم) في علاج الملاريا، بـ غلي أوراقه وشرب مائها، ومن العلاجات الطريفة التي صادفتني أن أحد المواطنين ذهب إلى (الحكيم/طبيب القرية)، يشكو من الملاريا، وكانت الروشتة التي صرفها له (الحكيم) أن يذهب من (دربه) هذا لـ الجزارة مباشرة ويشترى كيلو ضأن، ويحمره شية على الجمر، ما إكثار (الشطوط الخضراء) بالليمون والعرديب، وألا ينسى (الموليتة)، ويتبعها بكيس فواكه، وسيصبح في السليم بإذن الله، وفي أثناء فترة تناوله هذا العلاج عليه أن يبعد عن الفول وما شابهه من قول وعمل.!

(4)

الأدوية الحديثة يندر استعمالها في كثير من الأرياف، وتجد أن بدائلها كثيرة، حيث تجد حب القرع لطرد الديدان الدخيلة، وفي الماضي السحيق كانوا يستخدمون (بعر الجمال) لعلاج (القوب/الثعلبة)، والشاي الأسود الممزوج بزيت السمسم يمسح به من أصيب بالحمى، أما (بعر الحمار) له مكانة خاصة، يأتون بالبعرة وتوضع في نار حامية حتى تصبح حمراء كالجمرة، ويعصرونها للمريض في رجله في موضع عظمة الشيطان حتى تبرد البعرة تماماً، وهذا لعلاج سوء الهضم المزمن المسمى هناك بـ (الكوفارة)، أما للإلتهاب والكحة فـ حبوب الذرة العادية هذه تُشوى وتسحق حتى تصبح كالبن المسحوق، ثم تخلط بمسحوق (القرض) وتخلط بالماء وتشرب بلا أى محسنات.!

أما أغرب علاج سمعت به هو علاج (النُفاخ)، يمكن أن تسميه (الغازات)، يحضر الأهالي هذه المرة (بعر البقر)، وعلى شرط أن يكون حال عليه الحول، ثم ينظف مما علق به تراب وديدان، وينقّع في الماء حتى يصبح لونه مائلاً للبني، ويُصفى، ثم يُعطى المريض (عصير البعر) هذا ليشربه على الريق!!.


0 التعليقات:

إرسال تعليق