الأحد، 10 يناير 2010

حكاية الورقة التي أضحكت وأبكت

(1)

من المؤكد أنك قد (تشحتفتَ) ذات مرة، لأن كل امرئٍ وإن طالتْ سلامته، لابد وأن يكون قد أصيب بـ (الشحتافة) يوم ما، ومن المؤكد أيضاً أن الأشياء التي (تُشحتف) أكثر من التي لا (تُشحتف)، ومن أعراض (الشحتافة) أن تضيق عليك الأرض بما رحُبت، وأن ترى هذه الدنيا أضيق ثقب إبرة، وتشعر بأنك ليس أنت، وأنك تريد أن تفعل شيئاً لا تعرف ما هو!

ولا شك أن لـ (الشحتفة) أسباب مثلها ومثل أي شيء، منها (السخانة)، وتتفاغم الحالة إذا كان مع (السخانة) انقطاع في الإمداد الكهربائي، وإذا اتّحد عليك الفلس والسخانة وانقطاع الكهرباء، يكون هذا ابتلاء من المولى عزّ وجلّ وعليك احتماله.!

(3)

بحثتُ كثيراً لأجد تعريفاً لـ (الشحتفة)، ولكن لم أوفّق في هذه المهمة السامية أبداً، والعلماء النفسيين ابتداءاً من (فلاديمير بيختيريف) وحتى (الكساندر سوثرلند نيل) – أسماء العلماء دي ما تركّز فيها كتير- كلهم عرّفوا أي مرض نفسي، ولكنهم لم يتطرّقوا إلى (الشحتافة)، وبالذات تلك التي تصحبها (خمّة نفس)، قد يكون لها اسم علمي، أو قد تجدها نوع من أنواع القلق، ولكن سأجتهد وأقطع لها تعريفاً من رأسي، لأنني لم أجد لها شرحاً في (القاموس المحيط)، ولا في( لسان العرب)، وحتى في (نجعة الرائد) و(تاج العروس) لا أثر لها، وهذا مبرراً كافياً للاجتهاد، إذن فـ (الشحتافة) لغة واصطلاحاً هي عبارة عن:

- (آكولة في الروح)!!

نعم .. أعتقد أن هذا هو أقرب تعريف لها، أرأيت هذه العبقرية، لا تسألني كيف يصاب المرء بـ (آكولة في الروح)، فـ هنالك من الأشياء ما لا يمكن شرحه بـ الكلمات.!

ولكن سأقرب لك الأمر أكثر، سأحكي لك قصة غريبة بعض الشيء، وأعتقد أن بها قدراً لا بأس به من (الشحتفة)، يمكنك أن تقرأها وتحكم بنفسك.!

(2)

يقال أنه في إحدى البلدان كان هنالك شخص يعيش مع والده العجوز، لكن أباه مرض مرضاً شديدا. وهو يحتضر أعطى ابنه رسالة وأمره ألاّ يفتحها إلاّ بعد أن يموت، وأمَره حتى بعد موته ممنوع أن يقرأ الرسالة بنفسه، وإن أراد فـ ليعطها لـ آخر ليقرأها له. مرت الأيام ومات الأب، احترم الابن وصية والده لم يفتح الرسالة، وذهب بها لـ أحد أصدقائه وطلب منه أن يفتح الرسالة ويقرأها عليه، فتح الصديق الرسالة، بحلق فيها مليّاً وقال له:

- إنت متأكد أبوك هو الـ كتب الرسالة دي بي نفسو؟

- نعم .. متأكد!

يُقال أن صديقه طبّق الرسالة وأرجعها له وهو ينتحب ويبكي بكاءً مريراً، تتقطّع له نياط القلوب، وتلين له صخور الجبال.!

سأله الابن عمّا يبكيه، ولكن صديقه لم يزداد إلاّ بكاءاً.!

لم ييأس الابن، ذهب لشخص آخر وطلب منه أن يقرأ له الرسالة، يقال أن هذا الشخص بعد أن قرأ أول سطر من الرسالة، أنفجر في نوبة ضحكٍ هستيري مُحيّر، وهو من بين ضحكاته يسأل بين الفينة والأخرى:

- يا زول إنتَ متأكد أبوك هو الـ كتب الرسالة دي؟

- نعم متأكد!

ثم ينفجر بـ الضحك مرّة أخرى، ويقال أنه واصل على هذا المنوال، وصار يقف في منتصف شارع الزلط، ويضحك لوحده بسبب وبلا سبب.!

احتار الابن في فحوى هذه الرسالة التي أبكت وأضحكت، ولكنه احترم وصية والده ولم يفتحها بتاتاً، وذهب بها إلى شخص يتوخى فيه الحكمة ورجاحة العقل، وحكى له أمر الرسالة، ذلك الرجل قال له بثقة:

- أديني الرسالة دي بجيب ليك خبرها هسّع دي!

فتح الرجل الرسالة، بحلق فيها بدهشة وذهول وهو يقول لـ الإبن:

- إنت متأكد تماماً الرسالة دي كتبها أبوك؟

- نعم .. أيوة .. متأكد.. فيها شنو؟

أرجع له الرسالة، وقام بحركة غريبة، خلع سفنجته وأعطاها لـ الابن وقال له:

- أمسك السفنجات دي .. وحافظ عليها كويس.. سَمِح؟

ثم أطلق الرجل ساقيه للريح بـ اتجاه الشمال الغربي، ولم يعدْ حتى الآن.!

هذه المرة اتخذ الابن قراره، سيفتح الرسالة بنفسه، وليحدث ما يحدث، ولكنه قبل أن يفتحها مرّت أمامه امرأة ذات منصب وجمال، فحدثته نفسه أن يجرّب النساء هذه المرّة، بعد أن قنع من كل خير في الرّجال، أعطي الرسالة للمرأة وطلب منها أن تقرأها له، وبعناية فتحت المرأة الورقة المطبّقة، قرأت أول كلمتين منها، ثم رفعت يدها عالياً، وخبطت الابن في خده صفعةٌ لها دوي، حتى إحْمرّ خده، وجحظت عيناه، وصنّت أذنيه، وصرخت فيه بغضب فظيع:

- يا حيوان .. يا حقير .. يا سافل.!

ولم تقف المرأة عند هذا الحد، فـ إذا بها مزّقت الورقة إلى قطع صغيرة، ثمّ نثرتها باتجاه الريح التي بعثرتها في كل مكان.!

يُقال أن هنالك اثنان لم يعرفوا فحوى هذه الرسالة أبداً، الابن .. وأنت.!

0 التعليقات:

إرسال تعليق