الخميس، 7 يناير 2010

كديس العزابة مجبور على أكل السلطة

(1)

الوجبات بالنسبة لطالب جامعي يسكن في داخلية عادة ما تكون غير خاضعة للنظام المعروف .. أذكر أننا أيام كنا في الداخلية كانت وجبة الفطور في كافتريات الجامعة .. أما وجبة الغداء فهي غير موجودة في سجلاتنا .. فالعشم يعقد على العشاء .. كنا نأتي نهاية اليوم مرهقين وجوعي ولو صادف الواحد منا مخدة لأكلها، وأكل (معاها المرتبة زاتا)، ونسبة لظروف تتعلق بسعر الصرف وميزان المدفوعات والدخل القومي، كنا ننتظر حتى الثامنة مساء ريثما ينضج الفول في قِدرة عبد الله ، كنا نكلف كل يوم واحداً منا بجمع الفكة لتجهيز العشاء .. وعلى الرغم أننا أكثر من عشرين طالب إلا أن ما يجمع منا لا يكفي لشراء رطل زيت واحد ، والسبب غير أننا (معلمين الله) هو أن مجتمع الداخلية يضطر كل واحد منا أن يصرف جميع ما أرسل له من مصاريف على زملاءه المفلسين ، حتى تدور الدائرة عليهم.

(2)

كانت لدينا نظريتان في العشاء .. نظرية الكم ، ونظرية الكيف .. الأولى تستند على زيادة عدد الأرغفة على حساب الفول ومويته .. الثانية أن تكون الفتة مسبكة وبها بعض المحسنات الفولية من جبنة وسلطات وتونة وإغراقها بالزيت الوفير مع قلة الرغيف.

هكذا إنقسمنا الي حزب الكم وحزب الكيف .. إذا كانت (النبطشية) وقعت على واحد من أنصار الكم لتجهيز العشاء، في ذلك اليوم سنأكل حتى الإكتظاظ ، ولكنه مجرد رغيف مبلول بموية الفول نأكله لحفظ النوع من الإنقراض ليس إلاّ .. وإذا كان التجهيز تولاه أحد أنصار الكيف .. سنستمتع في تلك الليلة بوجبة لذيذة ولكنها قليلة الكم ، عندما تبتلع اللقمة الأولى وتمد يدك للثانية تجد الصحن قد أصبح نظيفاً لامعاً يسر الناظرين!

(3)

(أبو طويلة) .. كنية أحد زملائنا بالداخلية .. كان من كبار قادة حزب الكم .. بل هو مؤسس هذه النظرية .. وقد أدخل لنا نظاماً جديداً في استراتيجية الوجبة .. كنا نجهز الفتة في صحن كبير .. فاقترح تجهيزها في صينية كبيرة ! .. وتفسيره لذلك: أن الصحن لا يكفي لادخال عشرين يد في لحظة واحدة، لأن هناك من ينتظر حتى يخف الزحام ليدخل يده، ولو دافر وأدخلها، سيحدث اختناق مروري، حتى أنك لن تعرف اليد التي تحمل اللقمة هذه يدك أم يد زميل!

(4)

العبد لله كان من الذين يذهبون مع (أبو طويلة) لنجهز العشاء، على الرغم من أنني ليس من أنصار حزب الكم، ولا حتى حزب الكيف، ولكن كما يقول المثل :(كديس العزابة مجبور على أكل السلطة) .! كنا ناتي بالكثير من الرغيف حيث الرغيف كان رخيصاً، ومعه والقليل من الفول، وموية الفول في جردل لوحدها،لأنها قوام الوجبة، حتى أن عبد الله (بتاع القدرة)، إقترح علينا أن نحضر خرطوشاً نمده من القدرة الي غرفنا، لضمان استمرارية الري الفيضي لصينيتنا بموية الفول، كنا نقطع الرغيف في الصينية ويصبح شكله كجبل صغير ونصب عليه ماء الفول ليبتل، أما الفول نفسه تكون حباته بالحساب، وحتى ننتهي من العشاء لن تصادف الواحد منا أربع فولات بالغلط! .. لم يكن أبو طويلة يهتم بتقليب الرغيف جيداً حتى تتخلله موية الفول، ولن يستطع لأن الأمر يحتاج الي كوريك وطورية وسلوكة، لذلك عندما ننتهي من اكل الرغيف المبتل، يكون ثلثه جافاً، يقوم أبو طويلة بتكويمه ويذهب به ناحية الماسورة، فيفتح فيه الحنفية حتى يرتوي بالماء المطلق تماماً ، وينثر فيه بعض الملح، ويأتي به لنكمل عشاءنا!

0 التعليقات:

إرسال تعليق