(1)
من إحدى عادات الزواج الغريبة في جنوب المحيط الهندي، أن يذهب الخطيبان إلى العمدة الذي يقوم بدق رأسيهما بضربة خفيفة مع بعض وبذلك يتم الزواج.!
أما في مقاطعة التبت فـ الأمر صعب نوعا ما، فعند اختيار الشاب للفتاة؛ يقوم بعض أقارب العروس بوضعها أعلى رأس شجرة ما، ويعسكرون جميعا تحت هذه الشجرة متسلحين بـ العصي والعكاكيز، وإذا رغب (واحد ما عاقل) في اختيار الفتاة؛ عليه أن يحاول الوصول إليها، وأهلها وأقاربها يحاولون منعه بضربه بالعكاز، فإذا سلم منها –وهذا نادر الحدوث- وصعد الشجرة وأمسك يدها؛ عليه أن يحملها ويفر بها وهم يضربونه حتى يغادر المكان، ويكون بذلك قد ظفر بـ العروس وحاز على ثقة أهلها . !!
(2)
عندنا هنا في جمهورية السودان، إذا كان الزواج بهذه الصورة، به ضربٌ بـ العكاكيز، وخبتٌ بالعِصي، تأكدوا تماماً أيها الأحبّة أنه لن يتزوج أحد، عدا بعض المجازفين الذين سيذهبون إلى شهر العسل بعاهات مستديمة، ما الذي يجبر أحد ما على أن يبدأ أول يوم في حياته الزوجية برأس (مفلوق)، وعين واحدة، وحوض مكسور؟ وستجد بدلاً عن عبارة (عزوف الشباب عن الزواج)، ستسمع عبارات مثل
- عزوف الشباب عن العكاكيز!!
أو
- آ زول مالنا والعرس أب دق.!
ولا تستبعد بعدها أن ينبري الشعراء وينشدوا أبياتاً على غرار:
وفوق شُجَيْرةٍ رُفعتْ عروسٌ
وأهلها بالعِصي متمنطقينا
يقولون يا حسنين لماذا لا تُعرّس؟
فقلتُ لهم:
إني سددت أضاني عن الزواج بـ طينة
ووضعت في الأخرى عجينا
لأن لكم أيها الأقوام عُرسٌ
به العكاز يخبرك اليقينا!!
(3)
بالمقابل عندنا من المستحيل أن يصل الزواج في سهولته إلى حد ضرب رأس العريس برأس العروس ضربة خفيفة، وبعدها يشيلوا الفاتحة، والعاقبة عندكم في المسرات.!
فنحن مراسم الزواج عندنا تقع في منتصف الطريق، ولكنها مع ذلك تحوي الكثير من التفاصيل، التي معظمها يدفع تكاليفها العريس، سأذكر بعضها بلا ترتيب، منها: حفل تعارف، حفل خطوبة، مصاريف غير منظورة أثناء فترة الخطوبة، قولة خير، سد المال، الشبكة، الشيلة ذاتا، فطور العريس، القيدومة/ حفل حنة العريس، حفل حنة العروس، العزومة، تأجير النادي، مصاريف الكوفير، الحفلة والفنان، تصوير الحفلة بكاميرات الفيديو، رقيص العروس وقطع الرحط، الصبحية، شهر العسل.!
ومصاريف أخرى بوبارية المنشأ ولا محل لها في إعراب الزواج، وتعقيدات منشأها الأساسي الوجاهات المجتمعية والتطاول في الأعراس.!
(4)
بعد كل هذه البلاوي يقولون لك أن الشباب يعزفون عن الزواج، ويتهربون من المسئولية، وهم يعرفون تماماً أن المشكلة هي (عجز) في الأساس وليس (عزوف)، فـ الذي يعزف عن شيء يكون مقتدراً عليه، ويعزف عنه بإرادته، أما الشباب في هذه الحالة ينطبق عليهم قول الشاعر:
ألقوه في اليمّ مكتوفاً وقالوا له × إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء
ولكن تخيل معي أن الزواج عندنا صار بنفس سهولته عند أهل جنوب المحيط الهندي، الذين يتزوجون بضرب الرؤوس، عندها يأتي والد العريس إلى والد العروس ويقول له:
- نحنا جايين نطلب (راس البت) دي لي ولدنا!!
ثم بعدها بساعتين ونصف فقط - وهذه ليجهزوا فيها لمراسم الزواج - يأتي العريس والعروس إلى المأذون، فيخاطب المأذون العريس:
- أديني راسك الغليد ده يا ولد!
ويلتفت إلى العروس قائلاً:
- ناوليني راسك يا بت!
ثم يضرب الرؤوس مع بعض ضربة خفيفة، ويقرأ الفاتحة، وتنطلق الزغاريد، وتعم الأفراح البلاد، ويتبادل الجميع التهاني والمباركات، وبعدها .. سيختفي مصطلح (العنوسة) من مجتمعاتنا إلى الأبد، وأستطيع أن أجزم لك بنجاح هذه العملية، ولكن الـ بقنع العروس وأم العروس شنو؟!
فـ حواجز ومعوقات الزواج التي تجابه الشباب لا تحصى ولا تعد، على الرغم من أن منشأها العطالة، إلاّ أنها يتفرع منها كثير. مع العلم الفقر ليس من معوقات الزواج الرئيسية، فـ كثير الفقراء تزوجوا بفقرهم، وأنجبوا وربّوا بفقرهم، وعلّموا أبنائهم بفقرهم، فـ الفقر ليس أُسّ المشكلة ولا أساسها، بل المشكلة من جذورها هي عدم القناعة والبوبار، والتمسك بـ تقاليد عفا عليها الزمن، وأننا في أمر الزواج لا ننظر إلى من هم أقل منا حظاً في الحياة الدنيا، ونتطلع دوماً إلى الأعالي بما يتخطى مستوى الطموح، ويدخل في مرحلة تمديد أرجل الزواج على أكبر لحاف إمكانيات العريس.!
(5)
فـ إذا استثنينا عقبة السكن، مع العلم أن هذه المشكلة تنشأ من العاصمة وتقل تدريجياً كلما اتجهت شمالاً أو جنوباً، ففي الكثير من مدن السودان السكن لا يمثل العقبة الرئيسية أمام راغبي الزواج، إذا تخطينا هذه النقطة، فمن الممكن أن نستغني عن بعض التفاصيل الكثيرة من متطلبات الزواج، أبونا الشيخ البرعي أسقط عنا الشبْكة، والشيلة المسببة شِبكة، ويمكن مع ذلك اسقاط الكثير من المتطلبات غير الضرورية، فكل شيء يقع بين (سد المال) و(الصبحية) يعتبر غير ضروري، ولكن قبل ذلك نقترح على أولاة الأمر، والذين بيدهم الحل والربط، أن يؤسسوا منظمة شعارها (معاً لمحاربة البوبار الضار)، وأقترح أن يكون اسمها (منظمة إقناع أم العروس بإنو الشغلانة دي ممكن تتم بأقل التكاليف)! وهذا المشروع ينبغي أن يسبقه عمل جاد، وتغطية إعلامية ضخمة، وأن يصبح فرض عين على كل بيت به فتاة على مشارف الزواج، أما في هذه الأيام، وبهذه الحالة، إذا أتيت إلى أهل الفتاة، ودخلت حتى مرحلة اجتياز معاينة النسيبة، وقلت لـ أم العروس: (نحنا اسقطنا الشيلة والشبكة)، احتمال كبير تسقّط حجرك .. وتسقّط منك العروس ذاتا.!
0 التعليقات:
إرسال تعليق