(1)
الكُل يعرف أن الصدقة تطفئ غضب الله، وأنها تظل العبد يوم الحشر حتى يقضى الله بين الناس، وأنها وقاية من البلاء، وأنك عندما تريد أن تُخرج صدقة لتقدمها لمسكين، يمسكها سبعين شيطاناً، كلنا يعلم ذلك ولكن المشكلة أصبحتْ في أن تُميّز بين من يستحق، ومن لا يستحق، وأن من الشحادين من يقتنع بما تعطيه، ومنهم من لا يقتنع بتاتاً، وإن منهم من عندما يراك يدرك من أول وهلة أن (الله كريم)، وآخرين يرونك فيعتقدون أنك ابن عم (الوليد بن طلال)، وإن منهم من إذا قلت له :
- الله يدينا ويديك .. الله كريم.!
يمكن أن يرُد عليك:
- أنا عارف يا أخوي .. أنا داير من حق الله ما من حقك إنت.
شحاد كهذا من الصعب أن تقنعه أنك (على الحديدة)، وأن الحديدة التي (أنك) عليها صارت قديمة ومن الأفضل استبدالها بحديدة جديدة، خاصة عندما يكون هذا عاشر واحد يمر عليك، فـ الشحاد العبيط يعتقد أن لديه حق دستوري في جيبك، على الرغم من أنه – أحياناً- قد يكون في معيّته مصاريف تكفيه للعمرة مرتين في السنة!.. ويمكن أن يصل معك إلي مرحلة: (يا زول هووي إنتَ ما داير تدينا وللاّ شنو؟!)، وإذا أعطيته من حق الله توقع أن يقول لك :
- زوّد شوية يا شيخنا هسّع ألف ده بسوي شنو!!
(2)
كل ما سبق كوم، والشحادات من النساء كومٌ آخر، وأذكر ذات مرة مررتُ بـ امرأة فخمة المظهر، وتلبس ملابساً ثمنها يطعم ستين مسكيناً، ومن هيئتها ظننتها إحدى أميرات الخليج، رأيتها أوقفتْ رجلاً ذو مال وعمامة كبيرة، تكلمت معه ثلاثة جُمل فقط، فإذا به ينفحها بـ أوراقٍ مالية، لو امتلكت نصفها في ذلك الوقت لأصبحتُ من كبار المستثمرين، استملتْ المرأة النقود وذهب الرجل، بعده أوقفتْ رجل آخر، وتكرر ذات المشهد، وفي اليوم التالي رأيتها هي بعينها تفعل ذات الشيء في نفس المكان، احترتُ من أسلوب الشحدة الراقي الذي تمارسهُ هذه المرأة، وكنوع من تقصي الشمار مررت بقربها حتى تُوقفني لأعرف المنطق الذي تقنع به ذوي الجلاليب والعُمامات الذين سبقوني، لكن ما اشتغلتْ بي الشغلة!
(2)
مرّ عليّ أحد الشحادين رفض بتاتاً أن يستلم العُملة من فئة الألف جنيه (بالقديم)، رأسه وألف وخمسمية وعشرين سيف (إلاّ يدوهو خمسة وثلاثين ألف دفعة واحدة!!)، تعجبتُ كثيراً من تصرفه، وكدتُ أن أجري معه لقاءً لولا أن الله ستر، حاول البعض إقناعه بأن يستلم (الألف جنيه) ويتم عليها من بقية الخيرين من عباد الله، ولكنه رفض الفكرة من أساسها، فالظاهر أن هذا شحاد يعمل بالإجمالي بعد أن زهج من الفكة والفئات الصغيرة، والغريب أنه أرجع أي عملة أعطيت له وأسمع صاحبها كلمات مثل :
- أمسك قروشك دي عليك يا أخينا .. أنا ما بقبل أقل من خمسة وتلاتين ألف!!
مثل هذا لا أعتقد أنه ستتحقق أمنيته هذه، اللهُمّ إلا إذا مرّ عليه في طريقه (بل جيتس)، وللعلم أن (بِلْ جيتس) هذا لو حُولتْ ثروته إلى فئة الواحد دولار، يمكن أن يتم فرشها من الأرض للقمر أربعة عشر مرة، وسيُستخدم لذلك سبعمائة وثلاثة عشر طائرة بوينج لنقلها، وثمن عَجَل حديد واحد من لساتك هذه الطائرة يمكن أن يؤمّن مستقبلك -عزيزي القارئ- ويعرّس ليك أربعة مرات.!
(3)
هناك صنفٌ آخر من الشحادين إذا حاولتَ أن تعتذر له بعدم الفكّة تكون قد جنيت على نفسك جناية كبيرة، أحد أصدقائنا مرّ عليه مثل هذا، فحاول التملص منه وقال له:
- معليش يا حاج فكة مافي!
رد عليه الشحاد بثقة وهو يُحلّ صُرةّ صغيرة:
- أنا عندي فكة .. كان داير فكة عشرة ألف .. عشرين .. فكة خمسين ألف ذاتو عندنا!!
شحادٌ يفك مبالغ كهذه لا بد أنه مؤهلاً لدخول سوق البورصات وشراء بعض من أسهم الشركات متعددة الجنسيات!!.
ولا يغُرّنك منظر بعض الشحادين، منهم من يستحق، إلا أن عشرة من البقية يمكنهم أن يشتروا (برج إيفل) بحاله !!..
وهنا تحضرني قصة واقعية حدثت في إحدى مُدن السودان، أحضر فاعل خير أرز باللبن لمجموعة من الشحادين المُتسورين حول الجامع، وكان الأرز به مادة مخدِّرة، فأكلوه وناموا نوم العافية، وصاحبنا هذا طاف عليهم ليلاً وهم نائمون، ونهب كل مُدخراتهم التي جمعوها عبر السنين، وفي الصباح، وفي قسم الشرطة فتح (الشحادون) بلاغاً بأكثر من ثمانين مليون (قديم)!.
(4)
يُحكى أن أحد المُحسنين كان يعطي شحاداً يجلس بقرب منزله ألف جنيه يومياً، وظل الرجل المُحسن على هذا الحال لمدة عام كامل لم يقطع الألف عن الشحاد، وفي يوم ما أعطى الرجل سبعة ألف للشحاد، فـ استغرب الشحاد، ولكنه قال: - يللا .. سبعة ألف أحسن من مافي، وبعد شهر صار الرجل يُعطي الشحاد خمسة ألف فقط، الشحاد استغرب وما قدر يمسك نفسو وقال للرجل:
- شنو يا شيخنا .. قبل سنة كانت عشرة الف .. بقت سبعة رضينا .. وصلتها خمسة .. والله عصرت علينا شديد!!
الرجل المُحسن قال:
- في الأول كان أولادي صغار، لكن العيال كبروا .. البت دخلت الجامعة والولد دخل الثانوي والمصاريف زادت.!
سأله الشحاد:- وعدد أولادك ديل كم كُلهم كده؟.
الرجل: - أربعة!
الشحاد: - وان شاء الله ما ناوي تدرسهُم الأربعة على حسابي.!
0 التعليقات:
إرسال تعليق