الجزء الأول
(1)
(سفروت) طفل صغير لم يتعدّ الخامسة من عمره، و(سفروت) هذا لقبه الذي اشتهر به، فهو يمتلك أذنين كبيرتين، ورأس صغير، وشكله يشبه (السنافر) أبطال الفيلم الكرتوني الشهير، وغير هذا حباه الله بخيال واسع يمتد لأفكار قلّما توجد لدى الصغار في ممثل سنه، وبسبب خياله وشطحاته أطلق عليه لقب (سفروت الخيالي)، ومن صفاته أنه لا يجلس مع الصغار من أترابه بتاتاً، ويعتقد أن هؤلاء مجرد (شُفّع) لا يرتقون لمستوى فهم كلامه، وحتى في جلوسه مع الكبار دائماً ما يدلي برأيه في بعض المواضيع التي تطرح أثناء الونسة، وهذا لم يمنع من أن يدخل بعض الشطحات أثناء حديثه، فـ تجعله يستحوذ على مقاليد الحديث في أي جلسة يكون فيها حاضراً.!
(2)
يوم ما، وبينما كان مجموعة من الضيوف يدردشون في الصالون، دخل عليهم (سفروت)، سلّم عليهم واحداً واحداً، ثم جلس في أحد الكراسي متفرساً في وجوه القوم بـ اهتمام، ويسمع ما يقولون.!
سأله أحد الحضور:
- اسمك منو يا شاطر؟!
استعدل له (سفروت) وقال:
- اسمي (مؤيد)
ثم استدرك:
- وتاني عندي اسم.!
- تاني اسمك منو؟!
- اسمي (سفروت الخيالي)..!!
ضحك الضيف، ثم قال:
- والله ده اسم عجيب ..!!
أردف الضيف:
- سمّوك (سفروت الخيالي) لي شنو؟!
- أنا ذاتي ما عارف!
- بعد تكبر داير تكون شنو في المستقبل؟!
صمت (سفروت) قليلاً ثم قال:
- داير أبقى (والي).!
الضيف مندهشاً:
- شنو؟!.. داير تبقى والي مرة واحدة .. والله إنتا صَحي خيالي .. ؟!!
أضاف الضيف:
- يعني ما داير تكون (رائد فضاء) .. وللا (طبيب) .. أو (مهندس)..؟؟!
رد (سفروت) بعناد:
- لا لا .. (والي) بس.!
- طيب بعد تبقى والي .. داير تعمل شنو؟!
وهنا التفت إليه (سفروت)، ثم تكلم باهتمام:
- داير أعمل حاجات كتيرة؟!
- زي شنو كده؟!
- إنتا يا عمو ..موش المطرة قاعدة تجي كتيييرة .. بتغرّق الشوارع وتكّسر البيوت!
- أيوا .. صاح..!
- خلاس .. أنا داير أعمل مظلة كبييييرة .. تغطي العاصمة كلها .. نركبها وكت يجي الخريف..!
صاح الضيف مندهشاً:
- والله إنتا بتبالغ عديل .. ؟!
واصل (سفروت) كلامه:
- وفي الشتاء .. عشان البرد شديد .. نقفلها بـ الجنبات كده.!
هز الضيف رأسه بـ حيرة ثم قال:
- والله إنتا كان يسمّوك (سفروت الشطّاح النطّاح) .. !!
ثم أضاف:
- طيب إنتا داير تغطي العاصمة بس .. وباقي المدن حـ تسوي ليها شنو..؟!
سفروت:
- شوية .. شوية يا عمو .. لي قدام .. حـ أعرش السودان كلوّ.!!
- والله ما شاء الله .. أها في الصيف بترفع المظلة .. وللا بتخليها؟!
- في الصيف يا عمو عند خطة تانية؟!
- خطة شنو كمان؟!
- داير أرّكب في أي حي من الأحياء مكيّف هواء كبييير .. يبرّد الحي كلوّ .. كده ما حـ تكون في سخانة..موش..!!
- والله سبحان الله .. الله يحضرنا زمنك ده .. ما عندك خطة تاني؟!
- اتذكرت يا عمو ..بعدين بعد المكيّف يشتغل لازم تكون في طيارة طايرة في الجو..
قاطعه الضيف:
- أيواا .. دي للمواصلات الداخلية .. ما كدي؟!
- لا لا .. يا عمو أصبر أتمّ ليك .. الطيارة عشان تعطّر الجو!!
بحلق فيه الضيف بـ ذهول، ثم هتف بـ دهشة:
- يا ود إنتا قاعد تجيب الكلام ده من وين.!!؟
تجاهل سفروت السؤال ثم قال:
- يا عمو أنا داير اخترع اختراع..!
- ياتو اختراع؟!
-انت البترول ده قاعد يجي من وين؟!
- بطلعوهو من تحت الواطة؟!
- طيب من تحت الواطة جا من وين؟!
- من حيوانات كانت ميتة من زمان .. إتحللت وبقت بترول؟!
- حيوانات زي شنو؟!
- بقر .. حمير .. جداد .. اسد .. نمر ..
- يعني الجداد ممكن يتحلل يبقى بترول..!؟
- ممكن طبعاً!
- طيب الجدادة جات من وين؟!
- من البيضة طبعاً..!!
صمت سفروت قليلاً ثم قال:
- خلاس أنا داير اخترع البترول من البيض..!!
وهنا انفجر الضيف ضاحكاً، كان يضحك بشدة والطفل ينظر إليه بتعجب.. صمت عن الضحك قليلاً ثم قال:
- والله مفروض يسمّوك (سفروت الخرافي) .. داير تخترع البترول من البيض.. وكمان داير تعرش العاصمة كلها بي مظلة واحدة من المطر .. والله ده كلام عجيب..!!
سأله سفروت بـ براءة:
- إنتا يا عموّ بعد تكبر داير تكون شنو في المستقبل؟؟
ضحك الضيف .. وأجاب من خلال ضحكاته:
- بعد أكبر دايرك تشغلني معاك (مُعتمد).. يعني بعد تبقى والي!!
- خلاس .. والله أشغلك يا عمو .. لكن بتقدر تعمل الحاجات البقولها ليك؟!
- أيوا يا سعادتك بقدر .. دايرني أسوي شنو؟!
- دايرك تعمل بحر!!
- يا ساتر .. أعمل بحر عديل.. أها والبحر داير يعملوهو ليك وين؟!
- دايرو قدام بيتنا عشان أسبح أنا وأصحابي..!!
- طيب يا ولد .. الموية أجيبها ليك من وين؟!
- شيل من الموية الـ بـِ تنزل من المظلة العرشنا بيها العاصمة.!!
الجزء الثاني
اختراع يقبض حرامي الموبايلات..!!
(1)
رجع والد (سفروت) من العمل زهجاناً، ويطنطن ببعض العبارات الحانقة، لم يلق على (سفروت) التحية كعادته، ودخل غرفته من دون أن يلتفت إلى أحد، وهذا بالنسبة لأسرته تصرف غريب، لم يحدث أن بدر منه.!
سأل سفروت والدته بـِ تعجّب:
- الليلة بابا مالو زهجان كده؟!
ردت عليه والدته وهي مشغول بتقطيع شيء ما يتبع لفصيلة الخضروات، قالت:
- أنا عارفاهو .. كدي أمشي أسألو مالو؟!
ذهب سفروت لغرفة والده، فـ وجده يحدق في السقف بغيظ، سأله:
- الليلة مالك زهجان يا بابا؟!
التفت إليه والده وقال:
- زهجان عشان سرقوا الموبايل بتاعي!
- ما مشيت كلمت الشرطة؟!
- مشيت فتحت بلاغ!
- طيب الشرطة ما قبضت على اللص؟!
- تاني ما بتلم فيهو؟!
صمت سفروت قليلاً ثم قال:
- دقيقة بجيك راجع هسع دي.!
(2)
- يلا أرح الغدا يا (سفروت).!
هتفت بالعبارة والدة سفروت الذي كان ممسكاً بورقة وقلم ويشخبط في بعض الخطوط المبهمة.
أجابها سفروت صائحاً:
- دقيقة بس الإختراع قرّب ينتهي..!!
- اختراع شنو كمان .. اختراعات الخيالية الما بتكمل دي؟!
جلس سفروت على مائدة الطعام، وكان يأكل سارحاً. سأله والده:
- اختراعك الجديد شنو؟
ترك سفروت الطعام وتكلم مع والده باهتمام:
- داير اخترع اختراع يقبض حرامي الموبايلات.!
- والله ده اختراع جميل .. يعني في أمل موبايلي الـ إتسرق يرجع تاني؟!
- موبايلك ما أظن يرجع .. الاختراع ده للموبايلات الجاية؟!
- يا خسارة .. خلاس كمّل أكلك .. وتعال أشرح لي اختراعك الجديد.!
(3)
تحلّقت الأسرة حول (سفروت الخيالي) لـ يشرح لهم اختراعه الجديد، وكانوا متأكدين من أنه سيكون واحداً من شطحاته المشهور بها، وبعد أن رتّب سفروت أوراقه خاطبه والده قائلاً:
- يلا أها اشرح لينا اختراعك الجديد الـ حـ يقبض حرامي الموبايلات؟!
مسح سفروت االجميع بنظرة شاملة، ثم قال:
- الحقيقة هو ما اختراع منفصل .. الـ حـ يقبض الحرامي الموبايل ذاتو..!؟
هتف والده باندهاش:
- شنو؟!.. الموبايل يقبض الحرامي؟!
- أيوا … أنا حـ أطوّر الموبايل لو في زول سرقو حـ يطلّع كلبشات .. تكلبش الحرامي؟!
هز والد سفروت رأسه بدهشة وقال:
- والله ده اختراع عجيب.. طيب الموبايل يعرفو كيف ده حرامي .. يعني كان إنتا مثلاً استلفت مني الموبايل لي محادثة . .. يقوم يكلبشك؟!
- لا لا يا بابا .. الموبايل بفرز بين الحرامية والناس التانين؟!
- طيب أها .. وبعد ما يكلبشو؟!
- بعداك الموبايل حـ يطلّع سوط طوويل .. ويجلد الحرامي.!!
- يا سبحان الله .. موبايل بي سوطو؟!
- طيب حـ يجلدو كم جلدة؟
- حسب سعر الموبايل .. كان الموبايل غالي يجلدو ألف سوط؟!
- يا حفيظ ..موبايل يقيم الحد .. لكن ألف سوط دي كتيرة … ما شايف إنك عصرت على الزول ده؟!
- هو القال ليهو يسرقو منو؟!
- يعني الواحد كان شاف في الشارع موبايل بجلد ليهو في زول ..يمشى ساي الموضوع حـ يكون عادي؟!
ثم أردف والد سفروت:
- طيب كان الحرامي خطف الموبايل وقام جاري..!
- ما قلت ليك بكلبشو .. وبجلدو!
- لو الحرامي رمى الموبايل؟
- الموبايل طبعاً ما بخلّي حقّو.. وأنا حـ أعمل ليهو كُرعين طواال .. عشان يلحق الحرامي ده .. ويكلبشو .. ويجلدو .. وبعداك يوديهو بسط الأمن الشامل..!
- ياخي والله ده موبايل عجيب عديل كده!!
سأل والد سفروت ابنه:
- طيب افترض ساي إنو الحرامي رمي الموبايل في الخور.. والموبايل ما قدر يكلبشو .. أها حـ يسويّ شنو؟!
استعدل (سفروت الخيالي) ثم قال:
- في الحالة دي الموبايل بقوم .. ويطلّع كرعينو الطوال .. ويمشى يفتّش الحرامي .. أنا حـ أطوّر الموبايل وأخليهو زي الكلب البوليسي .. و(الموبايل البوليسي) حـ يفتّش الحرامي محل .. محل .. وبعد ما يقبضو يسلمو للبوليس؟!
- يا سلااام .. والله ده موبايل خطير .. لكن عندي سؤال صغيروني كده؟!
رد عليه سفروت بهدوء:
- أسأل أي سؤال!
- لو الموبايل قبض حرامي عضلاتو تبش .. بتصرّف معاهو كيف؟!
- طبعاً يا بابا الموبايل مدرّب كاراتيه وملاكمة .. حـ يتعارك مع الحرامي .. وحـ يرميهو بـ الضربة القاضية..!
- ده موبايل وللا (جاكي شان)؟!.. والله يا ولدي غلبتني عديل..!!
ثم أضاف:
- سؤال أخير.. قلت الموبايل بعرف سيدو .. بعرفو كيف؟
رد سفروت:
- بي أرقام سرية؟!
- أيواا .. وكان سيدو نسى الأرقام السرية؟!
فكّر سفروت قليلاً ثم قال:
- الموبايل حـ يعتبروا حرامي؟!
ضحك والد سفروت ثم قال:
- في الحالة دي معناهو مستشفى العظام زاد زول!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق