الاثنين، 8 مارس 2010

زادك في انتظار الموظف المشغول..!!

(1)

بدون أي مقدمات.. إذ أن القارئ صار لا يكنُّ لها الكثير من الوُد، أقول: أنني متأكد تماماً من أنه لا تُوجد بلاد جميع موظفيها من أولياء الله الصالحين، لذا دائماً ما أسأل نفسي ذلك السؤال:

- لماذا يضطّرك الموظف إلى الانتظار، في حين أنه يستطيع أن ينهي لك ما تريد في أقل من دقيقة.؟!

فـ (التوقيع) على ورقة مثلاً لا يتطلب الكثير من الزمن، فالموظف يحتاج إلى عشرة ثوان بالضبط حتى يوقّع لك ورقة، قد تكون مرّت عليه أكثر من عشر مرات، ولكنه –أحياناً- يصعّب عليك الأمور، يرجعك، ويؤجلك، ويجعلك تنتظر، حتى تظن أنه يريد أن يوقع لك اتفاقية لشراء (رأس نووي).!

(2)

إنني في بعض المرات أقف بين يدي موظف ما، وأسأله بكامل التهذيب والاحترام.. وأكاد أن أقول له كما قال الفنان شرحبيل أحمد:

- يا أبو شعُور رقيقة .. تسمح بي دقيقة.؟!

ولكنه مشغول جداً، والحقيقة أنه كان مشغولاً أكثر من (سيرارنست) عندما كان يضع اللمسات الأخيرة لاختراعه الذي سُمي فيما بـ (الدبابة)، ومن منظره –الموظف لا الخواجة- يبدو أن مزاجه مُتعكرا، ولو سقطت منه نقطة واحدة في (المحيط الهادي) لأفسدت على ناس معايشهم، وأنا واقفاً عنده، ينظر لي بطرف عينه، يخرج عدة أوراق من الدرج.. يراجعها بسرعة.. ويوقع على إحداهن.. ينشغل بمكالمة تلفونية لم يتذكرها إلا عندما وقفتُ أمامه، ويرفع لي رأسه بعد سبعين خريفاً، ليؤشر إلى (الكنبة) التي أتيت منها ويقول لي بصرامة:

- أرجع انتظر... بناديك بعد أنتهي.!!

وأنا مضطر يا عزيزي أن أنتظر، أرجع إلى (الكنبة) وأحمد الله الكريم أنه لم ينفيني إلى جزر (النام نام).!!

(3)

انتظار الموظف حتى ينتهي من أعماله، ثم الالتفات إليك لينهي لك أعمالك، يعتبر من أقسى أنواع الانتظار في التاريخ، منذ اختراع الوظائف وحتى الآن، وإذا وقعت في هذا الفخ، أنصحك في المرة القادمة أن تجلب معك شيء يلهيك عن ملل الانتظار، أنا شخصياً جربت حيل كثيرة جداً، منها أن تحمل معك صحيفة، ولكن هذا الأسلوب لا ينجح في كل الأحوال، لأن الصحيفة يتم تقسيمها على بقية الحضور من المنتظرين من أمثال شخصكم الكريم، وقد يكون نصيبك منها عشرة سطور لا غير.!

مرات أحاول أن أفتح باب حوار مع الآخرين، على الرغم من أنني لا أتقن الحديث مع الغرباء، ولكن بالنظر إلى الوجوه العابسة، أدرك أن هؤلاء الناس لا يملكون المزاج الكافي لسرد ذكريات طفولتهم.!

ثم أحدّث نفسي بأن أصبر من باب: مُكرهٌ أخاك لا بطلُ، وأتذكر بيت الشعر القديم:

قالوا صبرتَ وما صبرتُ جلادة .. ولكن لقلة حيلتي أتصبر

وأحاول أن أتحلى بقدر الإمكان بذلك الصبر الذي (يبلّ الآبري) أو (الحلو مر) بالنسبة للممتحنين من الخارج، وأنا أتعجب من سماحة أهلنا في السودان وكرمهم في بذل الزمن، فـ (بلّ الآبري) كما تعلمون يأخذ الوقت الذي يلزم (الآبري) لكي يبتلّ، وهذا الوقت يبدأ من الصباح وحتى قبيل المغرب، وإذا كان لدي كلّ هذا الزمن الوفير؛ لكنتُ قد اتجهت إلى دراسة الطب منذ زمن بعيد.!

(4)

وأنا في انتظار الموظف أحياناً أتسلى بالرياضيات، الحقيقة لا أحمل وُد حقيقي تجاه هذه المادة منذ الصغر، ولكن أتعامل معها بسياسة مريض الملاريا الذي لا يحب طعم دواء الملاريا، ولكنه مضطّر أن يتناوله، أفكر في البحث عن رقم رباعي أو خماسي كما فعل المهيري، ثم أسأل نفسي إن كان يقبل القسمة على (1) بدون باقي؟.. بعد عدة محاولات جادة أكتشف حقيقة أن أي رقم اخترته يقبل القسمة على (1) بدون باقي!.. ثم أجرب هل يمكن فعل نفس الشيء إذا قسمته على (2) أو (3)؟ في بعض الأحيان أصل إلى القسمة على (25) وهنا تتوقف عجلات التفكير، لكنه تمرين لا بأس به لتحريك عضلات الدماغ، إن كان يملك مثلها.. والحقيقة لا أعتقد، ومن جانب آخر يعتبر طارد ممتاز للنوم.!

بعد ساعة ونَيف أذهب إلى الموظف إياه مرة أخرى، وهذه المرة تصدني نظرته الصارمة، فـ أعود إلى (الكنبة) إياها، التي لو كان خشبها يدرى ما المحاورة اشتكي، وأبحث عن شيء آخر لإلهاء نفسي عن الملل، وأعود إلى الرياضيات مرة أخرى، ولكن هذه المرة أبدأ العدّ بمضاعفة الرقم (2)، أي أن أبدأ العد من رقم (1) ثم (2) ثم (4) ثم (8)، وهكذا إلى أن أصل إلى رقم كبير كفاية، أذكر أنني مرة وصلت إلى رقم (28462).! يمكنك من هذا أن تستنتج طول مدة الانتظار، مع عدم توفر مصادر تسلية في المؤسسات.!

(5)

أفكر أن أعود إلى الموظف الذي يتسلى بانتظاري على ما يبدو، وأظنه يتعامل معي بسياسة:

- إذا أنت لم تنفع فضُر.. فإنما يُراد الفتى كيما يضرّ وينفعُ.!

فأنا منتظر قرابة الساعتين في انتظار توقيع فقط، وأعتقد أن توقيع (اتفاقية البقط) لم يستهلك كل هذا الزمن، وكما تعلمون أن العُمر هبة غالية من الرحمن، ولا يصح إضاعته في انتظار أن يناديك الموظف ليوقع لك أوراقك، ولكن كتجربة أخيرة أحاول هذه المرة أن أتعامل معه بأسلوب (حلب الأفاعي) الشهير، فأذهب إليه وأنا راسماً على وجهي ابتسامة بلهاء كبيرة، وأمدّ إليه ورقتي طالباً أن يمهرها بتوقيعه الكريم، وذلك بنبرة أحنّ من المحنّة الـ في رقة سلام (الكابلي)، والغريب أنه يستلم الورقة بدون حتى أن يدقق في حاملها، يوقعها ويعطيها لي ويواصل عمله.!!

أنا مندهش طبعاً، كنت أظن أنه لن يستلم ورقتي هذه حتى يلج الجمل من سمَ الخياط، أو حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض على أقل تقدير.!

الحمد لله تم توقيع الورقة، وعمّت السعادة، وعاشت الحملان بجوار الأسود، أنا مشكلتي حُلّت لأنني دمتُ عليها قائماً، أما بقية المنتظرين في (الكنبة)، أظنهم لا زالوا يسألون أنفسهم ذات السؤال التليد:

- لماذا يجعلك الموظف تنتظر، عندما يكون في إمكانه أن يُقضي لك ما تريد في أقل من دقيقة.؟!


0 التعليقات:

إرسال تعليق