الخميس، 7 يناير 2010

الخفة الكتلت أب تفة..!!

(1)

بسبب أنه لديه ثمة شعر متكوم على مقدمة رأسه الصغير مثل ذلك الذي ينمو لدى بعض التيوس؛ أسموه أهل القرية بـ (أب تِفّة)..!! فهو يُعْتبر ظريف القرية، وعبيطها في نفس الوقت، كان ما يميزه عن البقية تِفّته ورأسه الصغير الذي يشبه لمبة نيون صغيرة ربطت بعناية،على هذا فهو قصير القامة في طول عكاز متوسط الحجم.!

(2)

(أب تِفة) يشّكل حضوراً متميزاً في أي مناسبة شهدتها الحلة، فهو أول من يشارك في تركيب الصيوان، وأول من يملأ الأباريق، يتركها ليضع الثلج في حافظات المياه، يترك كل هذا ليرّص الكراسي، ويرجع ما فرغ من حافظات الشاي، علاوة على ذلك فهو خدوم إلى درجة مخيفة، إذا رأى أي شخص نظر صدفة نحو كباية ماء تجد (أب تِفّة) قد انطلق كـ الصاروخ لـ يعبئ (جك موية) كبير، ويملأ كباية ويقدمها له كنادل محترف في مطعم فخم، ويقول عبارته المشهورة بصوته الذي يشبه الصفير:

- أب تِفة تحت الخدمة..!!

(3)

(أب تِفّة) بما أن خدماته فندقية وتعادل ثمانية نجوم؛ إلاّ أنه أصبح يسبب الضيق لأهل الحلة، تضايقوا من خفته، وتكليف نفسه بما لم يُكّلف به، وبرهن على ذلك عندما أتى لـ (حاج منصور)، الذي كان جالساً تحت ظل أحد الدكاكين في سوق القرية، ممسكاً بغصن جافٍ (يشّخط) به الأرض في غيظ مكتوم، فجأة رفع رأسه فوجد (أب تِفّة) واقفاً من فوقه، رمى غصنه بحدّة وهتف به في ضيق:

- ده إنتا؟!! .. اللهم أجعله خير !! التقول أنا ناقصك؟!!

أجابه (أب تِفّة) بـ عبارته المشهورة:

- أب تفة تحت الخدمة يا حاج!!

أجابه حاج منصور بـ حِدّة:

- شوف يا اب تفة.. لا تحت الخدمة .. لا فوق للخدمة .. أنا ما داير أي حاجة!

- شكلك كده يا حاج عطشان الـ نجيب ليك موية باردة ؟!

- عليّ بـ الطلاق ما عطشان!

- خلاص كباية شاي ما بطّالة؟!

- شربت الشاي هسع دي!

- أنا شايف فنجان جبنة بِكري مظبوط بفكّ ليك الزهجة دي؟!

- الله يطولك يا روح .. جبنة ذاتها ما دايرها .. بس عليك الله أختاني!!

أجابه (أب تِفّة) بـ لهجة (القنعان):

- خلاص ياخي ما تضايق .. وكت ما داير ديل كلهن.. بجيب ليك حجر شيشة كارب .. ما تقول ولا كلمة.!!

(4)

اتجه (أب تِفّة) رأساً نحو محل الشيشة القريب، وأخذ يعبئ (المُعسّل) لوحده، ويضعه فوقه جمرة كبيرة.!!

لحقه (حاج منصور) وهو يشمرّ عن ساعديه، أمسكه من رجليه (مسكة) خروف في يوم اليوم الوقفة، وحمله على كتفه مثل أي بطيخة، واتجه به نحو الترعة، و(أب تِفّة) يصرخ بصوته الحاد:

- يا ناس الحلةووووو …

بعض الأجاويد لحقوا بـ حاج منصور الذي وصل إلى حافة الترعة وكاد أن يلقيه بالفعل لولا أن خلصوه من بين يديه مترنحاً مذهولاً، وهم يهدئون في حاج منصور:

- كدى يا حاج استهدى بالله نزل الزول!!؟

- يا حاج كدي باركها..

- يا حاج أنعل الشيطان ..

وحاج منصور يهتف بـ ثورة:

- الزول أب رويس ده خلوني الـ نريحكم منوّ؟!!

وفي الآخر تم تخليصه منه بـ صعوبة.. ومرّت هذه الحادثة بسلام..!!

(5)

كان (أب تِفّة) كذلك يذهب لـ منزل عزابة يسكنون في طرف الحلة، يدخل عليهم ويساعدهم في بعض الأمور، مثل أن يقطّع معهم للسلطة، ويغسل كبابي الشاي، ويرتب بعض تفاصيل حياتهم المبعثرة.

في ذلك اليوم ذهب إليهم ووجدهم في (ورشة وجبة)، يقطعون البصل واللحم تهيؤاً لطبخ حلّة من طراز (القطر قام)، ويعملون في إعدادها بـ سرعة لأنهم (فايتة فيهم جوعة) ولم يأكلوا شيئاً منذ الأمس، أعدّوا كل شيء وسكبوه في الحلة، وكلفوا (أب تِفّة) بـ مراقبة الحلة وتحريك البصلة من حين لآخر حتى لا تحترق، وذهبوا ليكملوا باقي لعبة كوتشينة لم تكتمل. المهم في الأمر أن (أب تِفّة) وجد نفسه وحيداً في المطبخ وقرر أن يقدّم لهم خدمة من خدماته الجليلة، وأن يضيف للحلة بعض المحسنات والتوابل من العلبة المرصوصة في الرف. تناول إحدى العلب وهو يقول في سرّه:

- كدي نكب من العلبة دي شوية عشان الحلة تطلع مزبوطة.

سكب في الحلة كل محتويات العلبة التي كان فيها مسحوق مجهول الهوية، بعدها تصاعدت من الحلة بعض الفقاقيع كبيرة الحجم، ولكنه عزا الأمر أنها في طريقها لكي (تتسبّك) أكثر، وجد كذلك زجاجة طويلة بها سائل أخضر لزج، فسكب منه القليل، بعدها تصاعدت من الحلة أبخرة خضراء ذات رائحة غريبة تسربت إلى أنوف العزابة.!!

هتف صديق:

- الريحة الزي اللستك المحروق دي جاية من وين؟

رد عليه محسن بـ هلع:

- الله يستر ما تكون دي الحلة؟!

نهضوا أربعتهم وهرولوا نحو المطبخ فوجدوا الحلة دخانها يتصاعد و(أب تِفّة) لا زال يسكب فيها من العلب وهو يدندن بلحن مشهور. حمّروا فيه بغيظ وأعينهم تتقد شرراً.!

تمتم (أب تِفّة) في خوف:

- أصلو .. يعني .. هو شنو .. أنا قلت .. أصلّح ليكم الحلة شوية ..وكده!!

عقد صديق ساعديه أمام صدره وهو يقول في غيظ:

- ياخي في زول قال ليك صلّحها.. نحنا قلنا ليك حرّك البصلة تقوم تكب فيها صابون سائل.!؟

أضاف عماد بـ حُرقة:

- وبعدين إنتا ما عارف الحلة دي خسرانين فيها كم؟!

تحرك أحمد وهو يهّم بمسك (تِفّته) قائلاً:

- الحلة ده نحنا قافلين عليها بي جوكر .. من أمس ما أكلنا .. والله الليلة ما أخليك؟!

يحجزه عماد فيقول أحمد بغضب:

- فِكّني أرميهو ليكم في الترعة وأريّح منو الحلة!!

اقتادوه للخارج وهم يتغالطون…

متوكل يقول:

- نسوّي فيهو شنو الزول ده نفشّ غبينتنا دي؟

صديق:

- أنا شايف أحسن نحلق ليهو تِفّتو دي .. بتكون هي سبب البلاوي دي كلها.!

عماد:

- دقيقة يا جماعة أنا عندي فكرة كويسة.!

دخل عماد المطبخ، وأحضر الحلة التي لا تزال فقاقيعها تتصاعد وتفرقع في الهواء لوحدها ، كان يحمل الحلة بيمينه وعكازاً بشماله، وضعها على التربيزة، ورمى فيها خمس رغيفات وهو يقول لـ (أب تِفّة) في تشفي:

- ما دايرين منك حاجة .. بس هاك أكل ملاحك السويتو ده!!!



0 التعليقات:

إرسال تعليق