الخميس، 7 يناير 2010

ممنوع لذوي القلوب الضعيفة: قصة مرعبة

(1)

اشتهر (أيمن) في الحلة بأنه شاب هادئ الطباع، ويميل للصمت كثيرا، صحيح أنه يخرج ليجلس مع شلته التي تجتمع تحت لمبة العمود المضاءة حتى الصباح، إلاّ أنه يكتفي فقط بالاستماع لمغامراتهم العاطفية، وحماقاتهم التي ارتكبوها في الماضي.

(2)

في ذلك اليوم كان (أيمن) (مدبرساً)، وقد ألمت به (زهجة) جعلته يخرج لشلته بعد المغرب مباشرة، جلس معهم وهو ينظر إليهم وهم يلعبون الكوتشينة، ويتصايحون بكلمات من طراز:

- خمسيييييين ..!!!

ثم يصيح أحدهم (مخرخراً):

- الجرة دي جات باردة، ما بنحسبا ليك.

ثم يقوم آخر لـ (يكشح) أوراق الكوتشينة في وجه البقية، وينصرف غاضباً، ليحل محله آخر.

لم يكن (أيمن) لديه كبير غرض، ولا صغيره في هذه اللعبة، فهو فقط (بعاين بي عيونو)، طالت جلسة المجموعة حتى بعد منتصف الليل، وبينما كان (أيمن) يتابعهم بعين مفتوحة، وأخرى نصف مغلقة، داهمه نعاس، فغرق في نومة عميقة وهو جالس في كرسيه، لم يعرف كم نام من الزمن، لكنه استيقظ فجأة ليجد نفسه وحيداً تحت العمود.!!.. كل الشلة اختفت!!..والأغرب من ذلك أن تلك الملاءة المفروشة من فوق البطانية التي يعلبون عليها موجودة، بل ومن فوقها ورق الكوتشينة منكفئاً على ظهره بطريقة توحي بأن من كان يلعب هنا ذهب لمكان قريب وسيعود، وبقرب ذلك عقب سيجارة لا زال مشتعلاً يتصاعد منه خيط دخان طويل، وبالإضافة لهذا كان يظهر من طرف الملاءة كيس تمباك (مدردمة) فيه (سفة) جاهزة تهيؤاً لإدخالها في (شلاليف) أحدهم!!

وفي أثناء تأمله هذا فجأة التفت خلفه فرأى أحد أفراد الشلة واقفاً بقربه وهو ينظر إليه نظرات غامضة، سأله (أيمن) بخوف:

- يا منتصر الجماعة ديل مشو وين؟!!

أجابه بنبرة بدت له غريبة قائلاً:

- ما مشوا بعيد .. اتبعني دايرك في مشوار.!!

تبعه (أيمن) صامتاً، وطوال الطريق لم يسأله إلى أين يتجهان، حتى كادا أن يخرجا من نطاق القرية، واتجها نحو بيتٍ على طرف الحلة يلفه الظلام والغموض، تكلم (أيمن) بقلق:

- نحنا ماشين وين؟!

رد عليه منتصر ببرود دون أن يلتفت إليه:

- ما تستعجل بتعرف أي حاجة بعد شوية.!!

لم يلح عليه، فهو صديق طفولته ويثق فيه.

(3)

دخل متنصر و(أيمن) ذلك المنزل المهجور المظلم، اتجها نحو إحدى الغرف، وقال منتصر:

- أدخل هنا .. بجيك بعد شوية.

دخل (أيمن) الغرفة وهو لا يرى شيئاً من شدة الظلام، كان يشتم رائحة دماء نفاذة ، وبعد حوالي خمسة دقائق اعتادت عيناه على الظلام، فرأى على يساره ثمة سرير، فاتجه نحوه، وجلس عليه، ولكنه هب فزعاً عندما جلس على جسم شخص ما راقداً على السرير بلا حراك!!!

تمالك (أيمن) نفسه، وأخرج موبايله، وأضاءه في وجه الراقد، و… يا … للهول…!! وجدها جثة شاب مذبوحاً من (الأضان لـ الأضان)، والدم ينزف منها بغزارة حتى ملأ أرضية الغرفة، وحينها أحس بأنه وقع في ورطة كبيرة، وتحرك برعب مسرعاً نحو باب الغرف ليُخرج نفسه من هذا المأزق الرهيب، دفع (أيمن) الباب بشدة، ولكنه كان مغلقاً من الخارج، ومع ذلك سمع صوت هرج ومرج، ومن ضمنها تناهى إلى مسامعه صوت صديقه وهو يصرخ:

- أيوة كتلو بي ساطور .. أنا قفلتو جوة بالمفتاح..

وأعقب ذلك صوت عويل لنساء يصرخن بكلمات من نوع:

- يا حليلك يا ود أمي الكتلوك .. إهي ..إهي …إهي ..

(4)

هنا كاد (أيمن) أن يغمى عليه من الفزع والمفاجأة، فالأمر إذن جاد، فتحسس رقبته وهو يتخيل حبل المشنقة قد لُف حولها، وفي هذه الأثناء سمع من الباب صوت مفتاح يدار، ومعه حركة أقدام كثيرة تجمعت حول الباب،حانت له إلتفاتة فـ رأى على جهة الجثة نافذة مشرعة، فجرى نحوها، وصوت المفتاح يفتح في الرتاج طقة .. بـ .. طقة، كانت الجثة تحت النافذة مباشرة، اضطر للاعتلاء عليها ليقفز خارجاً، ومن هلعه ارتمى فوقها … تماماً!!!

امتلأت ملابسه بدماء الضحية، لم ينتظر لير ماذا سيحدث، فالباب كاد أن يفتح، قفز من النافذة مع آخر صوت لنهاية رحلة المفتاح في (الكالون).. وفي هذه اللحظة الحرجة، اشتبك طرف قميصه بمسمار ناتئ من إطار النافذة، وهو يسمع صوت مفصلاّت الباب وهو يفتح بصعوبة، يحدث صرير احتكاكه صوتاً مرعباً بأرضية الغرفة الخرصانية، فكر سريعاً، خلع القميص المبتلّ بالدماء كله، وقفز في اللحظة الأخيرة التي دخل فيها جمع غفير للغرفة.

(6)

كانت النافذة تؤدي لـ زقاق ضيق به الكثير من الأثاثات القديمة والأشياء المتراكمة، أطل برأسه على الحائط، ولكنه بالخارج رأى الكثير من النساء يصرخن على المقتول، اختبأ تحت تلك الأشياء وهو يسمع صوت منتصر من داخل يقول:

- الزول ده كان هنا … تلب بالشباك، ده قميصو زاتو..

قفزوا كلهم بالنافذة، وهم يبحثون عنه في ذات الزقاق، أحدهم اقترب من مكمنه، وهو يتحسس بيده ذلك الخشب والحديد المرصوص والمختبئ تحته (أيمن)… فجأة… قبضه من شعر رأسه، وأضاء في وجهه ضوء بطارية قوية وهو يقول في ظفر:

- ده يا هو المجرم .. قبضتو ….!!!

(7)

وهنا صرخ أيمن بأعلى صوته:

- والله يا ما كتلتوووو…

هزّته أمه وهي توقظه من النوم:

- قوم يا ولد استهدى بالله .. لا حول ولا قوة إلا بالله … أنا ما قلت ليك ما تنوم شبعان!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق