الخميس، 7 يناير 2010

صارت سمينة.. ولكن ..!

(1)

اسمها (سامية)، وهي نحيلة، نعم.. هزيلة إلى حد لا يمكن وصفه، إذا هب نسيم عليل يمكن أن يفقدها توازنها، علاوة على ذلك فهي طويلة، وهذا ما جلب لها سخرية زميلاتها في الجامعة فأصبحن يلقبنها بـ (القشة أم روح)، وأخريات يفضلن لقب (سامية النامية)، وغيره من الألقاب والتعليقات الجارحة، وكاد هذا أن يسبب لها هذا عقدة نفسية، وهي تتحمل التعليقات والنظرات بمرارة.

وهكذا أصبحت كل أمنيات (سامية) في هذه الحياة أن تصبح سمينة!!.. كانت تنظر إلى البنات البدينات بحسرة، تتبعها بزفرة حارة متمنية بعدها أن تسمن ولو قليلاً، على الرغم من أن السمينات ينظرن إليها بدهشة وفي دواخلهن سؤال يدور:

- هل يمكن أن يصلن إلى هذه المرحلة من النحافة ويتخلصن من أرتال الشحوم التي أصبحت لهن هاجساً يصعب الفكاك منه، وجعلتهن يقطعن الكباري جيئة وذهاباً على أمل إنقاص ولو جرامات قليلة من أوزانهن؟!

(2)

استشارت سامية صديقتها الوحيدة (سلمى) وقالت لها:

- ( والله يا سلمى متمنية من الله بس أبقى سمينة..!)

ثم أردفت بحرقة:

- ( إنتي البنات ديل قاعدات يعملن شنو سمينات كده) ؟

أجابتها سلمى وهي تنظر إليها متعجبة:

- (البنات ديل كلهن دايرات ينحفن إنتي براك مخالفة.. لكن مشكلتك دي حلها بس تاكلي كتير.. ما تتقيدي بالوجبات التلاتة .. أكلي قدر ما تقدري..).

فكرت سامية قليلاً ثم قالت:

- (كان كده دي حلها هين ..)!

(3)

من ذلك اليوم أصبحت (سامية) عبارة عن آفة متحركة، كانت تأكل في اليوم أكثر من ستة وجبات، وصارت زبونة دائمة لـ (بابكر) صاحب بترينة الباسطة في البقالة التي تبعد قليلاً عن منزل أسرتها، استمرت في مشروع التسمين هذا شهراً كاملاً منتظرة النتائج، ولكن ما لاحظته أن الحال ظل كما هو، لم يزد وزنها ولا ربع كيلوجرام!.. بل إنها اكتشفت أنها امتلكت (كرش) مستديرة صغيرة تكوّرت بطريقة غير متناسقة مع بقية الجسم، فاضطرت إلى إيقاف (الرمرمة) والعودة لسابق وجباتها الثلاث.!

(4)

ذهبت لصديقتها (سلمى) وخاطبتها بإحباط :

- ( سلمى يا اختى .. أكلت كترت أكل في الدنيا دي .. ولسة ضعيفة !! .. أنا زاتي ما عارفة الأكل ده كلو مشى وين؟؟!! .. ما عندك لي حل تاني؟).

هتفت سلمى بحماس:

- (عندي ليك المرة دي فكرة رهيبة .. أقعي حقن التسمين .. انتي ما شفت (أماني) كانت قريبة منك كده .. هسع حقنة واحدة بس بقت سمييينة وعلمت ليها كضيمات).!

أمسكت سامية بيدها بلهفة وهي تصيح:

- (وريني محل الحقنة دي وين .. وهسع أرح نجيبا ..؟؟!)

أجابتها سلمى:

- (من دربك ده طوالي أمشى على - فتحية - الداية).!

(5)

لم تهدر (سامية) دقيقة واحدة، لملمت كل مدخراتها لأجل تلك الحقنة، وجرّت صاحبتها وذهبتا رأساً إلى (فتحية الداية)؛ التي ما إن نظرت إليها حتى عرفت قصتها، فهي معتادة على مثل هذه الحالات، دفعت بالمحلول في أوردتها، ثم استملت أتعابها، ورجعت سامية إلى البيت على أمل أن تشرق عليها الشمس وتجدها نفسها قد زاد وزنها ولو كيلوجرام واحد.. فهي لا تريد أن تصبح (مبغبغة) يكفيها عشرين كيلو فقط على وزنها الحالي الذي لا يتجاوز الثلاثين كيلوجرام على أكثر تقدير، قد سمعت بأن هذه الحقنة وأخواتها من الحبوب تسبب السرطان .. والفشل الكلوي.. والشيخوخة المبكرة.. والسكري.. وقائمة طويلة من العلل، ولكن هذا لا يهمها ما دامت ستصبح سمينة.!

(6)

الحقنة أثبتت مفعولها السريع، ثلاثة أيام فقط وبدأ جسدها بـ الانتفاخ، في البداية كانت سعيدة، لأنها أخيراً ستصبح سمينة وتحقق أمنية عزّ تحقيقها، ولكن الأمور لم تسر كما خططت لها، بعد مضي أسبوع واحد أصبح جسدها يزداد بطريقة غريبة..!! صحيح أنها بدأت تسمن؛ إلاّ أنها لاحظت أن زراعها اليمنى بدت سمينة؛ ولكن أصابع اليد ظلت في حالها نحيلة كـ مساويك جافة، حتى بدت وكأن شخص ما نفخ زراعها بـ منفاخ دراجة هوائية ونسى الأصابع، أما باقي جسمها فقد كان أشد بشاعة، جزء سمين، وآخر نحيل، متورم هنا، ومنخفض هناك، في الأسبوع الثالث ترهل جلدها فـ صار له عدة طبقات متراكمة فوق بعضها، ازداد وزنها ثلاثة أضعاف ما كانت تتمنى؛ إلاّ أنها أصبحت مسخاً..!!

(7)

أكثر ما آلمها وجعل العبرة تخنقها؛ ذلك اليوم الذي نظرت فيه للمرآة، فـ وجدت أحد خدودها قد انتفخ انتفاخاً ملحوظاً حتى كاد أن يدفن معه أنفها، أما الخد الآخر فقد ظل كما هو، لم يزد ولا جراماً واحداً..!! وهنا فقط .. أدركت حجم حماقتها التي أقدمت عليها، وأطلقت صرخة عالية أودعت فيها كل حنقها وندمها، كانت هذه هي اللحظة الوحيدة التي تمنت فيها أن تكون نحيلة، إلاّ أنها اكتشفت وبعد فوات الأوان.. أن العودة إلى سابق عهدها يعد ضرباً من المستحيل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق