الخميس، 7 يناير 2010

القول المبين في ذم الكشاتين

(1)

اسمها المعروف (الكوتشينة)، إلا أنه ونسبة لسبب مجهول تم تحويلها الي (كوشتينة)، يقولون عنها أنها اخترعتها امرأة هندية لـ تلهي زوجها عن نتف لحية، وهذه المرأة أخطأت كثيراً في اختراع شيء كهذا لا فائدة منه لا من قريب ولا بعيد، مالها ولحية الرجل، علي كيفه ينتف لحيته أو لا ينتفها ما الذي يضرها في هذا؟! فهو في الحالتين سيضيع زمنه سواء بلعبه الكوتشينة أم بـ نتف لحيته!.

أصبحت الكوتشينة بعدها لعبة مشهورة، وتحوّرت عندنا لتصبح (مرضة) يصاب بها العاطلون عن العمل في الغالب الأعم، وتتفاغم الحالة لتصبح وباءً إذا اجتمعت عليهم صفة العزوبية مع العطالة.!

(2)

تختلف أماكن قعدات الكوتشينة، قد تكون تحت ظل شجرة، أو لمبة عمود، أو بيت عزابة و لا تخلو منها النوادي، والقاعدون فيها بالساعات الطوال قوم لا همّ لهم ولا (مشغلة)، ينغمسون حتى النخاع في لعبة تستحق أن يطلق عليها اسم (حارقة الزمن)، فلو كان الإنسان ينام ثلث عمره كما أثبتت الدراسات؛ فهؤلاء يمكن أن نقسم لهم باقي الثلثين الآخرين كالآتي : ثلث يلعبون الورق، والثلث الأخير يتغالطون فيه حول (جرة الخمسين التي أتت متأخرة) أو (عن شمال الفاتح الذي يخرخر ولا يريد القيام) وأحياناً عن (عِلاّن الذي سرق الجوكر ولا يريد أن يعترف بالجريمة النكراء)، والغريب أن هناك بعض المتفرجين والمشجعين الذين يتحلّقون حول الدائرة ويتابعون بشغف واهتمام، فـ هؤلاء على الرغم من أنهم لا في العير ولا في النفير؛ إلا أن (مرضتهم) -أحياناً- أكثر من اللاعبين الأصليين أنفسهم.!

(2)

الكوتشينة تضيع الزمن أكثر من أي مُضّيعٍ آخر، ومن يدمن هذه اللعبة يكون قد أصيب بداء يصعب الفكاك منه، يجلس من (دغش الرحمن) يحدق بعينيه في الورق، ويحاول أن يزاوج بين (الولد والبنت والشايب والآس)، وقد تمتد الجلسة حتى امتداد خيوط فجر اليوم التالي.

أول ما يُبدأ بتضييعه في جلسات الكوتشينة (الصلوات الخمس) وهذه أول الضحايا، ومن فتح الله عليه بالصلاة تجده (يكلفتها) كنقر الديك للدخن، ويقضي صلاته سارحاً في مجريات (التوزيعة) التالية، أما إذا مررت بقوم يلعبون الكوتشينة لا تتعب نفسك وتقرئهم السلام، فلن يرد عليك أحداً منهم، وإذا بالغوا وحصل هذا، فلن يكون رد التحية بـ أحسن منها أو حتى مثلها، سيختارون لك أقصر الكلمات في القاموس مثل (أهلاً) أو (مرحب) دون أن يرفعوا أعينهم عن الورق.!

(3)

شُلة الكوتشينة عادة ما يكون لديهم كراس قديم و(معفص) يحتفظون فيه بأسماء من غَلبوا أو هُزموا في الفترة الأخيرة، وإذا (تفاصح) أحدهم أو تبجّح بهزيمة زميله توقع يخرج الأخير الكراس، ويقلب صفحاته المتهرئة، ويخبره أنه قبل سنتين في يوم الأربعاء الساعة الخامسة صباحاً هزمه أربع مرات على التوالي .! وأنت إذا حللت ضيفاً عليهم سيفيدونك بفضائح بعضهم بتقليب الدفاتر القديمة، ويسمعونك عبارات مثل:

- (عاين حسن ده قبل ثلاثة شهور إتغلب أربعة مرات صايمة).

أو:

- (الزين ده ما تشوف فصاحتو دي حرررم بي كراعي بجرّو)

(4)

أحياناً تتخذ جلسات الكوتشينة منحى آخر، وتتحول من لعب ورق كوتشينة إلى أوراق نقد، لتصبح بعدها لعبة أخرى تسمى بـ (القمار)، وفي هذه خُرّبت بيوت وأهُدِرتْ أموال ذات أصفار كثيرة، والكثير من النساء يقعن عليهن يمين الطلاق عشرات المرات في جلسات الكوتشينة، وإذا أردت أن تعرف (الهبالة) الجد جد أجلس وأحضر معهم لعبة حتى النهاية، إذا رمي أحدهم كرتاً (يفتح) اللعب لآخر .. تسمع كلمة: (خمسييييين)..!! يقولها بصرخة قوية!! وبصوت تهتزُّ له الجدران، ويتساقط له ورق الشجر، وينخلع له قلبك، وإذا كان ضغط دمك مرتفعاً (ممكن تروح فيها عادي)، وكل هذا دلالة على أنه غلب خصمه وفتح اللعب وكأنه فتح عكة! أو خلص العراق من حكم المغول، ثم بعدها يسارع بتسجيل اسمه في الكراس، ويذيل انتصاره بتوقيعه، وقد يرسم بقربه رأس (كديس) صغير نكاية بالمهزوم، وقد يتصل بصديقه في طوكر ليبلغه خبر إنتصاره الكبير !!

(5)

فالكوتشينة لعبة فارغة، ومن يدمنها فهو فارغ، وكل همه أن يقتل الوقت الذي لا ذنب له، فهي مع ذلك قد تتخللها بعض الموبقات المهلكات، قد تجد البعض خلال لعبهم يشربون الخمر ويلعبون بها الميسر، وقد يتطيرون ويستسقمون الأزلام بالمرة (ويتمو الناقصة)، فـ لعب الورق أصاب الكثير من الشباب والشياب بـ (الفشل الزمني)، وجعلهم يطبقون نظرية (كان غلبك سدها .. وسع قدها)، فهؤلاء فعل بهم الفراغ الكثير، وأصبح وبالاً عليهم، فـ الناجحون في حياتهم، يرون أن الأربع وعشرين ساعة هذه لا تكفي لانجاز ما يريدون، إنه انعدام مسئولية إذن، وجهل مركب بأن وقتهم الضائع هذا سيسألون عنه يوماً، ومما يزيد الطين بِلة والأمر عِلة تجد من يتفاخر بين بني قومه بأن خبرته في لعب الكوتشينة أكثر من عشرين سنة!! فلو سئل مثل هذا عن عمره فيما أفناه .. ماذا ستكون الإجابة؟! فـ من المصائب التي تجابه الكثير منا هي عدم الإحساس بأهمية الزمن، فمثل هذا سيستيقظ بعد فوات الأوان ليعرف معنى تلك الحكمة الخالدة: (الوقت كـ السيف، إن لم تقطعه قطعك).!

0 التعليقات:

إرسال تعليق