(1)
(التسوق) من الهوايات التي تجمع بين معظم نساء العالمين، فـ أغلبية النساء لديهن موهبة خطيرة في الشراء، وحباهن الله بنعمة الدخول إلى السوق بـ تكاليف قليلة، والخروج بـ بضاعة كثيرة، وأنه من الملاحظ في الشارع العام أن الرجل عندما يتمشى مع زوجته، تجده دائماً يسبقها بـِ عِدّة خطوات وهي تُجاهد لـ اللحاق به، إلاّ في التسوق، تجدها قد سبقته بـ خمسة وستين ألف ميل (تقريبا يا أخوانا)، ومع أن المرأة مقتصدة في الشراء، فـ هي كذلك لديها موهبة القضاء على أي مبلغ داخل السوق، فـ إذا دخلت سوق الملابس – مثلاً- فمن السهل جداً أن تنفق عشرة مليون جنيه (بالجديد)، وترجع إيد ورا وإيد قدام، وقد تتعب من أي مشوار بالأقدام إلاّ داخل السوق، يمكن أن تمشي فيه عدة سنوات ضوئية بدون أن تحس بالتعب، هذا ليس تحاملاً على النساء، فـ هُنّ بجانب ذلك يعتبرن أن التسوق متعة ومتنفساً من زحمة تفاصيل البيت والعيال وأبو العيال ذاتو، أكثر من كونه مجرد شراء.!
وقد ورد في إحدى الدوريات العلمية أن هناك جمعية عملية قامت ببحث علمي عن إدمان التسوق عند النساء، فخرجوا بنتيجة نهائية أن إدمان التسوق عند النسوان أصبح مرضاً لابد من علاجه، بل واكتشفوا لذلك حبوب تمنع المرأة من الخروج إلى السوق، حتى وإن خرجت ستتناول أغراضها من أقرب محل وترجع مسرعة للبيت.! أرجو ألاّ تسأل عن هذه الحبوب في الصيدلية .. أنا سألت قبلك ووجدتها لم تصلنا بعد.!
(2)
اعتقد أن (المساومة) هي السبب الرئيسي الذي يجعل النساء (شاطرات) في الشراء، ويتعب معهن كثيراً تجار الملابس والأواني والخضروات، وأذكر مرة ذهبتُ لشراء بعض الخضروات، وكانت أمامي امرأة لو اشتركت في مسابقة لـ (حرقان الروح) - قطع شك - ستفوز بـ الميدالية الذهبية، سمعتها خاطبتْ بائع الخضار:
- أديني عليك الله سلطة تكون كتيرة وطماطما كُبار.!
أعطاها كيس السلطة بنفس المواصفات، فـ إذا بها تفرغ كل محتوياته على طربيزة الخضار، واستعملتها كـ لوحة شطرنج تحرك فيها قطع الخضار واحدة تلو الأخرى تجاه البائع المسكين وهي تقول:
- أمسك رجع الطماطماية دى ضاربة .. والليمونة دي أمسكا شوفا قوية كيف .. وقرون الشطة دي مالا عاملا كده .. وكوم الطماطم ده ذاتو صغير زيدو شوية .. الطماطم الأيام دي بي هملت وشها .. وده شنو هسع دي بصلة ليك .. يا ود أمي أنا زبونتك بايعني كويس!!
فعل لها كل ما أرادت، ولكنها لم تقتنع، وأرجعت له (ربطة) الجرجير وحزمة الفجل، وبعض قطع البامبي، وأنا في الانتظار كنت أتعجب من طول بال هذا البائع، والروح الرياضية التي يتمتع بها، فهذه (الولية) في كوم طماطم استهلكت مجموعة كلمات أكثر من التي في ديون الشاعر (جرول بن اوس بن مالك العبسي) الملقب بـ (الحطيئة)، وفي كيس سلطة قضت زمناً يكفي تماماً لعقد صفة لـ شراء عشر طائرات نفاثة طراز (بوينج 737)، بعد ذهابها عرَجَتْ على الجزار الذي دعوتُ له بـ التوفيق، ثم التفتُّ نحو بائع الخضار وقلت له بـ المختصر المفيد:
- أدينا كيس خضار!!
طبعاً لم يكن لدي أي استعداد أن أقول له (زيد الفجل) أو (أدينا ليمون ليّن)، فحتى لو وضع لي ثلاث حبات من (الخِرْوِعْ) ومعه بعضاً من ثمار شجر (الزيزفون)، فليس لدي مانع، سأحمل كيسي وأدفع حسابي وأذهب، فـ الرجال عموماً لا يحبون المساومة والمغالطة، تخيل أنه أتى رجلاً عريض المنكبين، (مِشْلَولِخ الشناكب)، مفتول الشوارب .. ليشتري خضاراً، لا أظنه سيقول للبائع : (زيد لينا الفلفلية دي) .. أو (الكوسا دي مالا صغيرونة كده)، فهذه تعتبر فضيحة، لذلك تجد كثيراً من النساء لا يفضلن إرسال أزواجهن لجلب كيس (الملاح)، وإذا حدث ستسمعه كلمات من نوع :
- دي لحمة هسع يدوك ليها .. كلها شحم!!
أو
- غشوك .. أدوك البامية شوية!
لذلك تجد التجار دائماً يفضلون مبايعة الرجال لأنهم (داقسين) ولا يفحصون أو يدققون في السلعة كثيراً، ويشترون من أول وهلة، ومرات لا يرون حتى ما بداخل الكيس - كمثل حالتي- أما النساء - فـ لله درّهن - الواحدة إذا أرادت أن تشتري صباع معجون أسنان لا غير، تجدها قد ذهبت لأكثر من عشرين محلاً حتى تصل إلي الأقل سعراً وأكثر جودةً، ولولا ذلك لأفلست بيوت، وهُدّمت ميزانيات، فـ عملية التسوق عندنا تحتاج إلى (اللحلحة) و كثرة المساومة، لأن التجار أسعارهم غير ثابتة، وفي السوق قد تجد قميصاً سعره خمسين جنيهاً وإذا ألححت على البائع تجده قد نزل معك حتى عشرين جنيهاً.!
(3)
حتى لا أظلم معشر الرجال فـ منهم من تعلم فن المساومة وحرقان الروح من زوجته، التي تكون قد نقنقت له كثيراً فيما يشتريه، وحتى لا تسمعه إحدى المعلقات السبع؛ يفضل أن يحسم الأمر بنفسه مع الجزار وبائع الخضار فهو يأتي من العمل متعباً ولا تنقصه (سافوتة) في الرأس من أجل كوم طماطم وشوية عجور.!
0 التعليقات:
إرسال تعليق