(1)
أصحبت لا أثق في الأبراج بتاتاً، ولا أذكر أن توقعاتها قد صدقت معي في يوم ما، حتى أسمائها لا تعجبني، تخيل أن رجلاً عريض المنكبين، مفتول الشارب، قوي البأس، صوته كـ الرعد، ليس بظنين في رأيه، فـ يصدف أن يكون برجه (العذراء) – تخيّل – وازدادت الفجوة بيني وبينها عندما عرفت أن الأبراج الصينية بها برج (العنزة)، و(الخنزير)، و(الكلب)، و(الأرنب)، من المستحيل أن ينتمي شخصاً يحترم نفسه لأحد الأبراج السابقة، ومرات كثيرة أتساءل بيني وبين نفسي: كيف لـ برج ما أن يوفّق في توقعاته بين الطالب والخفير وربة المنزل وبتاع الورنيش والملياردير، ولقد تأكدت من هذه النقطة في مجموعة من المفارقات حدثت لي في السنوات الماضية.!
(2)
في تلك الأيام قررت أن أمتلك برجاً، مثلي ومثل بقية خلق الله، وعلى الرغم من أنني حتى هذه اللحظة أخلط بين هل أنا من مواليد 2/4 أم 4/2 ، المهم .. وجدت أن برجي هو (الحمل)، وهذا البرج كان يسير معي بـ كل انسيابية، وتوقعاته مطَمئنة نوعاً ما، على الرغم من مبالغتها في بعض الأحيان، فـ مرّات اقرأ عليه عبارة: (أنت في وضع مالي مستقر)، في حين أنني وفي ذلك اليوم بـ الذات أكون أفلس من (جدعان بن حنظلة)، وأحياناً يقوم البرج بـ بعض (تكسير التلج) عندما يقول: (الكل يريد أن يسمع آراءك .. أنت محط كل الأنظار اليوم)، ويشطح في أحيان أخرى عندما يقرر أن (العمل في تطور مستمر)، على الرغم من أنني كنت أيامها عاطلاً، المهم أنني أحببت هذا البرج، فـ توقعاته تخطئ كثيراً وتصدق ومرات ولكنه يروق لي، ولكن خاب ظني عندما كان أخي التوأم يبحلق في صفحة الأبراج في الجريدة، فقلت له أن برجي اليوم يبشرني بـ مفاجأة فـ كيف حال برجك؟ بعد سؤالي نظر نحوي بدهشة وقال لي كلاماً بمعني: أنا توأمك ووُلدنا في ساعة واحدة فـ من المفترض أن يكون برجي وبرجك واحد.! .. بعد إجابته ذهلت وانتبهت لهذه الحقيقة، وعرفت في ذلك اليوم أن التوأم من المفترض أن تكون أبراجهم متطابقة، والمفاجأة الأخرى عرفت أن برجه الذي هو (الدلو)!.. في حين كنت أنا أمشي أموري بـ برج (الحمل)، فقلت له أن هؤلاء الجماعة (غلطانين) بلا شك، وعندما رجعنا لـ شهادات ميلادنا اكتشفت أنني أنا الغلطان، كنت ولمدة عامين أعتلي برجاً ليس بُرجي، إذاً فـ برجي ليس (الحمل)، الحمد لله، أنا أساساً لا أحب الحملان، لأن لها علاقة بـ الخروف، بعدها أعددت لنفسي لأن أكون من زبائن برج (الدلو).!
(3)
حولت من (الحمل) إلى (الدلو) وليتني ما فعلت، وجدت نفسي قد تورّطت في برج غير مُطَمئن البتة، وكثيراً ما أجد عليه عبارات مثل: (سماءك العاطفية ملبدة بالغيوم)، أو (ركود عاطفي يجتاحك اليوم)، وإذا أراد إن يخفف عني بعض الشيء تجد كلماته مثل: (لا تحاول السيطرة على أولادك .. بل أعطيهم الحرية المطلقة ليحققوا أحلامهم)، ولست أدري كيف فات على هذا البرج المعتوه أنني غير متزوج، وليس لدي من العيال إلا بنات أفكاري، المهم .. مشيتها له هذه المرة ولكنه أغاظني عندما قال ذات يوم: (أنت مدمن للمغامرة)! وهذا محض افتراء ليس إلاّ، كنت أتمنى أن أكون مغامراً عندما كنت صغيراً واقرأ روايات (المغامرون الخمسة) و(الشياطين الـ 13)، وحالياً لست مُدمناً إلاّ على الفول والشاي الأحمر.!
(4)
هذا (الدلو) جعلني أكره الأبراج بكل أنواعها، ولست ادري كيف وضعني أنا وتوأمي في برج واحد، في حين أنه لا يجمعنا حتى برج (بيزا المائل)، فـ نحن مختلفان في كل شيء، فـ هو يلبس أقمصة ذات أكمام قصيرة، وأنا أفضل الطويلة، أحب أكلات هو لا يطيقها بـ المرة، لا يحب الكتب والأكاديميات، وأنا يمكنني أن أبحلق في كتاب (خمسة وعشرين) ساعة في اليوم، فـ هو يحب التجارة ويريد أن يصبح رجل أعمال، وأنا كما قلت لا أحب المغامرات، زواجه بعد عدة شهور، وأنا بعد عدة قرون، حتى أنه لا يوجد بيننا شبه كبير، من يرانا معاً يقول أن هؤلاء أولاد جيران ليس أكثر. بعدها حمّلت توأمي تبعات هذا البرج، وقلت له أنه ورّطني في برج أفضل منه برج حَمَام في بيت مهجور. واستفسرته إن كان يمكنني أن أحوّل إلى برج آخر أو أرجع إلى (حَمَلي) القديم، فـ كانت الإجابة: أن المرء لا يستطيع أن يحوّل من برج لآخر (فـ الشعلانة ما هاملة ساي).!
(5)
من يومها أصبحت حتى لا أمد بصري إلى جهة الأبراج في الجريدة، وصار أخي أحياناً يتبرع بقراءة (برجه) لي، وصرت أنتقدها له كلما حانت لي فرصة، وأقول له أن الأبراج أحياناً تتدخل فيما لا يعنيها، فما معنى أن يقول لك البرج: (عقلك يقول لك شيئاً .. ويقول لك قلبك شيئاً آخر)، ماله والدخول في مثل هذه الأمور، وإذا لاحظت أن الأبراج لديها بعض العبارات الفضفاضة التي تصلح لأي شخص مثل: (لا تترك أمور الدنيا تقودك حيث لا ترغب)، وأنها دائماً ما تقدم أرباع الحلول، والأكذوبة الكبرى أن في الانترنت مواقع أبراج لـ توقعات السنة كلها، فـ الأبراج لا تستطيع أن تخبرك عن نتيجتك في امتحانات الشهادة السودانية، ولا إن كانوا سيختارون اسمك في المعاينة أم لا، ولن تخبرك أنه في الغد ستركب في الحافلة كرسي نص أم في كنبة شكراً أم ستقف مشمعاً، وأبراج لا تستطيع فعل هذه الأشياء البسيطة أعتقد أنه لا يجب الوثوق بها كثيراً.
0 التعليقات:
إرسال تعليق