كان (إبليس) في عصر ذلك اليوم يقّلب في بعض التقارير التي أتته من تلامذته وأبالسته الصغار، الذين يضلّون خلق الله في العالم، كان يقرأ التقرير ثم يهمهم ببعض الكلمات المبهمة، ويضعه جانباً، وفجأة جذب اهتمامه أحد التقارير، قرأه ثم قال بصوت عالٍ:
- الود (سلسفيل) الأيام دي شغلو تمام .. ثلاثة جرائم قتل .. أربعة حالات انتحار .. طلاقين .. وهو كان السبب في الحصل كلّو .. يستاهل مكافأة عديل.. كدي نشوف الباقين!!
فجأة انقلبت سحنته واكفهرّت ملامحه .. وصرخ صرخة عالية، حتى خرج الدخان من منخريه:
- (بعلزبول)..!!!!!
وبسرعة البرق سمع (بعلزبول) النداء .. فـ قطع ثلاث قارات في أقل من ثانية، ثم مَثَلَ بين يدي سيده، وهو ينْحي لأسفل قائلاً:
- التحية لـِ إبليسنا المبجل..!!
نظر إليه (إبليس) بعينيه المحمرّتين نظرة حارقة، كادت أن تذيبه، وقال له بصوت كأنه يخرج من ألف بئر:
- تقريرك الأسبوع ده مُخََجِّل .. !!
ثم أردف بـ غضبْ:
- أسبوع كامل تضل ليك تلميذ من المذاكرة .. وضليت واحد بقى يسف سعوط .. وفي نهاية الأسبوع تختم شغلك بي واحد عاكس طالبة في الحافلة .. ده تضليل ليك ده..؟؟!
قال (بعلزبول) في انكسار:
- حـ اتحسن الاسبوع ده يا مولاي..!
خبط (إبليس) سطح مكتبه بـِ حدّة، ثم قال في غيظ:
- تتحسن قال .. عارف زولك الشاغل البت حصل ليهو شنو؟!
- ما عارف يا مولاي..!!
- دي دلالة على إنك ما بتتابع شغلك للنهاية ..!!
ثم أضاف (إبليس) في هدوء:
- زولك .. الطالبة قطعت فيهو كفْ .. لمن سفّتو طارت بي شباك الحافلة .. والتلميذ رجع يذاكر تاني .. والبقى يسف سعوط أبوه جلدو بي سير مروحة .. تاب من السعوط.. وكمان بقى يصلي في الجامع..!!
ثم واصل (إبليس) حديثه بـ حسرة:
- يا حليل ناس (شمهروش) … و (خمشعون) …. و (عنكبوص) … و (محطلون) .. شغلهم كان نضيف … ديل الواحد كان بتسبب في عشرة جرائم قتل في اسبوع .. لكن مشو إتشالقو دايرين يضلّوا الشيخ إمام الجامع .. حرقهم كلهم .. !!
ثم التفت (إبليس) إلى (بعلزبول) وقال له:
- شكلك لسه داير (كورسات ضلال) .. الليلة تمشى تطلع مع (شحنكموش) وخليهو يدربك كويس .. وكان جيتو بي شغل كعب .. بحْرقّكم الاتنين..!!
ثم صرخ فيه بـِ حدّة:
- فاهم.!!!!
انحنى (بعلزبول) وهو يقول في خضوع:
- فاهم يا مولاي!
- يلا اتخارج.!
نطق (إبليس) بالعبارة الأخيرة، وواصل قراءة بقية تقاريره.!
(2)
على جانب آخر، وفي بيت عزابة ما، مكان مجموعة من الشباب ينصحون في زميلهم.
تكلم طارق مخاطباً (مهند):
- يا مهند ياخ الله يهدينا ويهديك .. الدنيا رمضان .. وانتا ما داير تخلي السم الهاري البتشرب فيهو ده..؟؟!
أجاب (مهند) بـ زهج:
- ما قلت ليك خليتو ياخ..!!
- كضاب ما خليتو .. أمس لقيت باقي كريستالة تحت السرير .. يا زول إنتا ما داير تتوب ..؟؟!
تدخل عثمان بقوله:
- بكرة يا مهند تمشى معانا الجامع ..!
رد مهند بسرعة:
- الجامع ده خليهو الأسبوع الجاي..!
- يا زول قلت ليك بكرة .. كان ما مشيت بنرجعك أهلك ..!
أجابه بعدم اقتناع:
- خلاس .. خلاس .. بكرة .. ماشي الجامع…!!
ثم طنطن مهند في سرّه:
- ديل شنو اللواييق ديل .. أنا غايتو بمشي معاهم بس عشان ما يطردوني من البيت..!!
(3)
خرج الشيطانان (بعلزبول) و (شحنكموش) وفي نيتهما أن يضلاّ أحد العالمين، حتى لا يرجعا لـ (إبليس) بوفاضٍ خالٍ، وكل خوفهم أن يحرقهم، كما أحرق بعض الشياطين من قبلهم.!
قال (بعلزبول) بـِ قلق:
- إنتا عارف يا (شحنكموش) .. الليلة لازم نعمل عَملة كبيرة .. عشان الزول ده ما يقوم يحرقنا ساي..!
رد (شحنكموش):
- أنا ذاتي خائف من الحرقة .. ياخي (إبليس) ده حرق (طمنشكيك) .. و(كمنحشيف) .. و(كطنشناف) .. في ثانية واحدة..!!
فجأة هتف (بعلزبول) في حماس:
- بس دقيقة .. نمشى على الشباب الماشين التراويح ديل .. نضلّهم عشان ما يصلّوا .. إنتا يا (شحنكموش) عليك بالاتنين الماشين قدام .. وأنا خليني أضل الماشي بالطرف ده .. شكلو كده شاب متقين .. وإيمانو قوي .. لكن بقدر عليهو .. !!
ذهب (شحنكموش) نحو الشابين، واتجه (بعلزبول) نحو الشاب الذي يسمى بـ (مهند).!
(4)
مهند في طريقه إلى الجامع، كان يقدم رجلاً، ويؤخر أخرى، وهو يطنطن:
- كمان عثمان و طارق ماشين جامع صلاة التراويح فيهو بالجزء .. !!
في هذه اللحظة اتجه (بعلزبول) نحو مهند، تشكّل له في هيئة شاب أنيق، واستوقفه قائلاً:
- عن إذنك يا شاب .. لحظة بس..!!؟
التفت نحوه مهند:
- مرحباً .. أي خدمة ..؟!!
- ما عارف ليك بقالة قريبة من هنا؟!
- نعم .. في بقالة قريبة .. امشي بي شارعك ده طوالي .. ولف علي يدك الشمال .. بتلقى غسال .. أول لفة على يمينك بلاقيك زقاق .. البقالة غربو طوالي..!
رد عليه (بعلزبول) المتمثل في هيئة الشاب الأنيق:
- الحقيقة انا جديد في الحي ده .. ممكن توصلني البقالة..؟!
نظر مهند نحو طارق وعثمان وهما يدخلان بـ باب المسجد، ثم قال بـ لامبالاة:
- يا زول بوّصلك .. ذاتو نصلي يوم تاني..!
قاده مهند نحو البقالة، وهما يتجاذبان أطراف الحديث في مواضيع هامشية، وعندما ظهرت البقالة؛ هتف مهند:
- ديك ياها البقالة!
حلف عليه (بعلزبول) أن يشرب (حاجة باردة)، وقبل مهند الدعوة..!
(5)
طلب (بعلزبول) مع البارد سيجارة، وقال لـ مهند:
- تدخن سيجار..!!؟
أجابه مهند بلهفة:
- أيوا بدخّن .. جيب علبة عديل..!
في أثناء الجلسة كانا يتبادلان الأحاديث حول العطالة والحال الواقف، واستدرج (بعلزبول) مهند حتى قال له:
- رأيك شنو نجي الليلة نكسر البقالة دي؟!
فكّر مهند قليلاً ثم قال:
- فكرة كويسة .. أنا ذاتي مفلس..!!
- خلاس نتلاقى هنا الساعة تلاتة صباحاً .. بلّف ليك معاي سيجارة .. وبجيب كرستالة..!
ثم تفارقا على هذا الوعد …!
(7)
الساعة الثالثة صباحاً
(8)
بعد أن كسر مهند الطبلة، قال لـ (بعلزبول):
- أدخل إنتا أول..!
- لا لا أدخل إنتا أول ..!
- أدخل أنا بلحقك …!
وصار (بعلزبول) و مهند يتغالطان حول من سيدخل الأول، وفي هذه اللحظة سمعا صوت سرينة سيارة الشرطة، وفجأة دفع مهند (بعلزبول) إلى داخل البقالة، وأغلق عليه بابها وهرب..!!
عندما حضرت الشرطة قبضت على (بعلزبول) الذي يجد الوقت الكافي كي يرجع لـ هيئته الشيطانية، وقبضت بحوزته زجاجتين من الخمر المعتق، وسيجارة محشوة بالمخدرات، ثم حكموا عليه بالسجن الجلد والغرامة..!
(9)
مهند … فجاة وبدون أي مقدمات، (الله هداهو)، وصار يقيم الليل بالمسجد، وأما (بعلزبول)، وبعد أن فكر ملياً وجد أنه أفضل له السجن، لأنه إذا خرج، سيحرقه(إبليس)، ولو بعد حين..!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق