الأحد، 10 يناير 2010

حوار مع صديقي الغياظ جداً…!!

(1)

في إحدى قعدات الكراسي، كُنّا جلوساً على طرف الشارع في وقت الأصيل، أحد أصدقائي الثرثارين خلَف رجله اليمنى على رجله اليسرى، وكان يطرقع أصابع قدمه بإعزاز وكأنما اكتشف أن له قدماً للتو، قال لي وسط صوت الطرقعات التي تشبه صوت مطر يهطل على لوح من الزنك الأمريكي:

- إنت يا أسامة وكت بتكتب .. ما تكتب لينا في أحوال البلد دي؟

خلفتُ رجلي وبدأت أطرقع مثله إلاّ أن أصابع قدمي خذلتني، هذه الحمقاء رفضت أن تطرقع، وبعد عدة محاولات فاشلة طرقع أصبع واحد لا غير، بعدها قلت له مُحبَطاً:

- أحوال البلد زي شنو بالضبط؟

رد علىّ وهو يحوّل من طرقعة أصابع أرجله إلى طرقعة أصابع يديه، والغريب أنه يمكنه أن يطرقع الأصبع الواحد أكثر من مرة، وهذه أعتبرها ظاهرة كونية نادرة، وموهبة أنا شخصياً لا أملكها، هذا الفتى أستطيع أن أتنبأ له بمستقبل مبهر في هذا المجال، ولو كانت هنالك جمعية لهواة طرقعة الأصابع سيكون رئيسها الفخري بلا منازع، أستطيع أن أضمن له هذا على الأقل، قال صديقي:

- يعني .. اكتب عن الكهرباء والموية الكل يوم قاطعة دي .. أكتب عن الخريجين العاطلين .. أكتب عن تسهيل الزواج للشباب!.

تم عبارته وهو يهز رجله (المخلوفة) بحرية واستمتاع بحركة أغاظتني كثيرا، هذا الولد يهتم برجله اليمين بالذات وكأنها ميزان الأكوان وحقيقة الوجود، قلت له بما معناه وأنا أرمق حركة رجله بغيظ مكتوم:

- هذه المواضيع تكلم عنها الصحفيون والمفكرون والحادبون على أمر البلاد وقتلوها بحثاً وتنقيباً، ولم يجدوا لها حلاً ناجعاً حتى الآن، هبْ أنني كتبت أن الكهرباء تقطع تسع مرات بين كل خمس دقائق، هل سيبنون سداً إضافياً في غضون شهر لمجرد أنني غير راضٍ عن قطوعات الكهرباء المبرمجة، لابد أنهم لديهم أسبابهم القوية لقطعها.

أما بالنسبة لمشكلة الخريجين العاطلين، لا أعتقد أن حلها يكمن في أن أتحدث عنها -أنا بالذات- في الصحف، وهي مشكلة عالمية موجودة حتى في الدول العظمى، ووضعنا كدولة من دول العالم الثالث يجعلنا لابد وأن نعاني من زيادة العطالة، وافترض أنني قلت أن الخريجين العاطلين صاروا أكثر من اللازم هذه الأيام، لا أعتقد -بعدها مباشرة- أن المسئولين سيصدرون قراراً بتعيين مليون خريج عاطل في مليون وظيفة شاغرة تنتظرهم على أحرّ من الجمر، وذلك لمجرد أن شخصي الكريم لا يرضى عن وضع العطالة في البلاد، أما تزويج الشباب، فهذه بالتحديد عبارة عن مشكلة تابعة للعطالة، ترتفع إذا ارتفعت العطالة وتنخفض معها.!

(2)

هزّ صديقي رجله شديدة الأهمية، ونظر إليّ بحنق وكاد أن يتهمني بأنني خرسيس نرسيس ولا أراعي مصالح المواطنين البؤساء، وقال بغضب لا مبرر له وهو يزيد من سرعة طرقعة أصابع يديه بحركة تشبه استدعاء الشياطين:

- طيب ياخي عاين للتلفزيون ده .. البرامج البقدموها دي عاجباك؟

هنا ضاقت أخلاقي كمسافة بين سطرين، أمرته أولاً أن يكف عن طرقعة أصابعه وهز رجله السخيفة هذه قبل أن أحوله إلى جردل، ثم أجبته بـ:

- أنني أفتح التلفزيون كل ثمانية وثلاثين سنة مرة واحدة، لذلك لا أعرف حتى ما يقدمه هؤلاء القوم، أحياناً أستخدم التلفزيون كـ جهاز راديو متطور يتيح لي الاستماع وسرقة النظر إليه بين الفينة والأخرى، وهذا حسب علمي لا يؤهلني لأن أكون ناقداً إعلامياً متميزاً يشار إليه بالبنان… و..

قاطعني قائلاً:

- ياخي التلفزيون خليناهو .. طيب أكتب في الخور ده .. ما شايفو صغيّر كيف .. هسع ده عليك الله بصرّف موية الخريف؟ حاولوا أقنعوا ناس المحلية ديل يحفروا للخور ده غريق لي تحت.. بالطريقة دي موية المطر عمرها ما حتتصرف.!

أجبته بأن ناس المحلية مقتنعين تماماً بأن هذا الخور يمكنه أن يُصرّف طوفان نوح بحاله إذا استدعى الأمر.. و..

هذا التعيس قاطعني مرة أخرى:

- كدي إنت حاول.. وخلي الباقي ..

قاطعته أنا هذه المرة قائلاً:

- ألم تسمع أيها الوغد بقصة (روبرت كوخ) العالم الألماني الذي نادى بأن الكوليرا تسببها (بكتريا واويّة)، تحداه أحد خصومه وشرب مزرعة كاملة من بكتريا الكوليرا أمام الشهود، مزرعة تكفي لقتل مائة رجل، ولسبب مجهول لم يصب بشيء ولا حتى عسر هضم، ولا تستبعد يا صديقي المنحوس أن يخرج لي من بينهم من يتحداني بأن هذا الخور يكفي لتصريف نهر المسيسبي إذا حدث ومر من هنا.!

طنطن وهو يرشف آخر رشفة من الشاي، ثم مدّ ساقيه للأمام، واكتشفت أن له ساقين طويلتين لدرجة مفزعة جعلتني أفكر في كيف يسمح إنسان لنفسه بـ أن يطيل ساقيه لهذه الدرجة، ثم وضع كباية الشاي فارغة كـ عقل ضفدع ثم قال وهو يتجشأ كـ فرس النهر:

- والله لكن .. أمرك عجيب .. إنتو بلا الفلسفة دي ما في شيء بضيع البلد دي!!

وأضاف وهو يمد نحوي كيس تسالي كان يقزقز منه باستمتاع:

- طيب ياخي أعمل معاي لقاء أنا عندي أفكار حلوة جدا للمسئولين.!

أرجعت له كيس التسالي سالماً وصارحته بعيب خطير أعاني منه منذ صغري وهو أنني لا أحب أكل التسالي، وأجبته بأن:

- أعمل معاك لقاء بصفتك ماذا؟

- مواطن صالح يراعي مصالح البلاد.!

ثم نهض يتهيأ للذهاب قائلاً:

- وما حـ أخليك إلاّ تعمل معاي لقاء.. اتفقنا؟

- إن شاء الله.!

ذهب لحاله وتركني أفكر في الطريقة التي أزوغ بها منه في المرة القادمة، بدأت في لملمة الكراسي وقبل أن أفعل أتى شاب لا أعرف حتى من هو، حدّق فيّ وقال بدهشة:

- أكيد إنت أسامة جاب الدين!

قلت له بما معناه:

- أن هذا اكتشاف لا بأس به!

ثم جذبني من يدي وجذب أحد الكراسي وجلس وهو يقول لي:

- طيب أقعد ياخي أنا عندي ليك مواضيع كتيرة ممكن تكتب عنها .. زي عطالة الخريجين والموية القاطعة والكهرباء الـ ما مستقرة والمجاري الـ ما جاهزة للخريف.!!


0 التعليقات:

إرسال تعليق