الخميس، 7 يناير 2010

بدع الزمان في تفادي السيطان..!!

(1)

كلما رجعت بذاكرتي إلى الوراء أيام كنا تلاميذاً في الابتدائي؛ أتذكر مغامراتنا مع سوط العنج، كانت مدرستنا من دون المدارس بها كمية من السياط تكفي لـ خمسة محاكم جنائية، حيث كانت تتراوح ما بين (سوط العنج) إلى الخراطيش السوداء والمطارق بمختلف أنواعها، ولا أظن أنه يمرُّ علينا يوم دون أن ننال حصتنا من السياط، فقد كان بعض المعلمين يجلدوننا بسبب وبدون سبب، إذا أخطأ أحدنا تداعي له سائر الفصل بآلام الجلد، لأنه تُستخدم معنا نظرية تعميم الشر، مما اضطرنا إلى استخدام أساليب عجيبة لتخفيف أو تفادي حدة السياط، فقد انتشرت بيننا إشاعات بأن التمسح بـ تراب (بيت النمل) يخفف آلام السوط، ومنذ أن استقينا هذه المعلومة؛ كنا في طريقنا للمدرسة نتحرى مواضع بيوت النمل، فـ نتمسح بترابها من رؤوسنا حتى أخمصنا، فترى الواحد منا قد صار أغبشاً أغبراً لو رأيته لأقسمت أنه عفريتاً ضل طريقه إلى المدرسة، ولكن بركات تراب (بيت النمل) لم تكن تجدي نفعاً، بل في بعض المرات تتسرب بعض النملات لتتسلى بلسعنا.!

(2)

رفعنا شعار(لن نستسلم)، فـ لجأنا إلى (الكركاسات)، مفردها (كركاسة)، وهي عبارة عن قطعة من المطاط قطعت من (اللستك الجوّاني) من إطار سيارة ما، وتلبس تحت البنطلون مباشرة، ولكن الأساتذة سرعان ما يكتشفونها من أول جلدة، لأنها تحدث صوتاً يشبه صوت خبت (المراتب) بـ القنا، ولتلافي ذلك كنا نقوم بتخريم (الكركاسة)، ومع ذلك يُكتشف أمرها، ومن يُقبض متلبساً بتهمة (الكركاسة) يعتبر من المغضوب عليهم، وقد يجلد أكثر من حد شارب الخمر!.

ومن أغرب الحيل التي كنا نستخدمها للتهرب من تسميع الجداول الذي تعقبه السياط عادة هي (أكل الطحنية بـ الشطة الحمراء!!) أي والله .. لست أدرى من اخترع هذه الوصفة، ولكننا سمعنا من مصدر مجهول أن أكل الطحنية بـ الشطة الحمراء يرفع حرارة الجسم، وبعد ذلك من السهل ادعاء الإصابة بالحمى، ومن ثم الزوغان من تسميع جداول الضرب، التي كان الضرب فيها أكثر من الجداول، والطلاب النجباء الحافظين يطير من رؤوسهم كل ما حفظوه عندما يرون السوط متدلٍ من يد المعلم، ويصابون بفقدان ذاكرة مؤقت، ولو سأل أحدهم عن اسمه سينساه، وبعد التسميع يخرج المعلم ليترك معظم التلاميذ بخدود متورمة ومؤخرات ملتهبة وأيدي حمراء من آثار الجلد.!

أيام صعبة تلك التي عشناها في المرحلة الابتدائية، وبعد أن وصلنا الصف السادس مددوا لنا الإقامة لعامين إضافيين أضافت إلى معاناتنا مأساة أخرى.!

(3)

بنظرة استقرائية للشارع العام ينقسم الناس إلى ثلاث طوائف من حيث إقرار أو عدم إقرار الضرب في المدارس، الطائفة الأولي لا تؤيد بتاتاً ضرب التلاميذ وتنادي بإصدار قرار بمنع الجلد في المدارس، لأن الضرب يولد عواقب نفسية سيئة في دواخل الأطفال، ويُذلهم ويُكرّههُم في المدرسة والدراسة، ويؤدي إلى اهتزاز شخصية التلميذ، وأن شخصية المعلم إذا كانت قوية فـ إنها تفرض نفسها واحترامها على التلاميذ مما لا يحوجه لـ اللجوء لبدائل من بينها الضرب، ويدللون بأن الكثير من التلاميذ هربوا من المدارس، وضاع مستقبلهم بسبب قسوة بعض المعلمين، وقد كنت شاهد عيان علي جلد زميلي في الفصل خمسين جلدة، هرب بعدها من المدرسة ولا زال مستقبله مذبذباً حتى الآن.!

طائفة أخرى تقول بأنه يوجد بعض التلاميذ لا يجدي فيهم الزجر والتوبيخ والعقاب النفسي، ولا ينفع معهم سوي الجلد واستخدام نظرية (العصا لمن عصى)، وقد يقولون أن معظم دكاترة ومهندسي وأطباء اليوم درسوا بنظرية (ليكم اللحم ولينا العضم) ولولا ذلك لما تفوقوا، لأنهم إذا تركوهم علي كيفهم لما نجحوا ووصلوا لما آلوا إليه، وقد يقولون أيضاً أن إصدار قرار بمنع الجلد سيؤدي إلى قلب المعادلة، وستنتشر ظاهرة الاعتداء علي المعلمين، وهذا يحدث حالياً علي الرغم من انتهاج الكثير من المدارس لأسلوب الضرب لتعديل ما مال من حال التلاميذ، وقد يَستدل البعض بأن الجلد أمرَ به الرسول (صلى الله عليه وسلم) للحث على الصلاة عندما قال:

- (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها لعشر).

أما البقية فـ انتهجوا حلاً وسطاً بأن يُستخدم الضرب في حدود، وألاّ يُستغنى عنه نهائياً في المدارس، وأنه من المُحبذ استخدام الضرب كـ حلٍّ أخير عندما تستنفد كل وسائل التقويم الأخرى، وأن يكون الضرب غير مُبرحاً، لا يجرح جلداً ولا يكسر عظماً، وألاّ يتعدى ثلاث جلدات مهما كان الجرم المرتكب.!

(4)

أما عن رأيي الشخصي أعتقد إصدار قانوناً حاسماً في إلغاء استخدام السوط في المدارس أو عدمه يُعتبر موضوعاً شائكاً ومن الصعب البت فيه، لأنه إذا أصدر قرارا بمنع استخدام الضرب في المدارس سيؤدي هذا إلى افتراء بعض التلاميذ علي المعلمين، أما إذا أصدر قراراً باستخدام الجلد في المدارس في حدود، قد يستخدم بعض المعلمين هذا القرار في غير محله، أو مع التلميذ غير المناسب، وفي الوقت الحالي اعتقد أنه ليس هنالك حلاً قاطعاً لهذا الموضوع، غايتو إلا كان يخلوها بالنية.!

0 التعليقات:

إرسال تعليق