الخميس، 7 يناير 2010

المواسير وعالم السماسرة العجيب

(1)

من المعروف للعامة فضلاً عن الخاصة؛ أن الماسورة هي عبارة عن جسم اسطواني يُصنع من الحديد أو البلاستيك أو غيره، وينتهي طرفها -غالباً- بشيء آخر يدعى (الحنفية)، أو (العصفورة) بدارجتنا المحلية، والماسورة كما يعلم الجميع تستخدم لتوصيل المياه من هيئة المياه إلى المنازل، وأنها تعمل حيناً وتشخر أحياناً أخرى.! هذا هو تعريف الماسورة لغة واصطلاحاً، وهو المعني المعروف للمواسير منذ أمد بعيد، ولكن هذه الأيام يستعمل مصطلح (ماسورة) و(مواسير) في غير محله، فتسمع أن فلاناً هذا (بتاع مواسير)، وأن فلتكاناً آخر هو (ماسورة في نفسو)..!! والغريب أن هذا المصطلح تسرّب إلى الصحافة وصار يستخدم اعتيادياً، وبالذات في الصحافة الرياضية، قد يكون صادفك كثيراً وصف أحد لاعبي الكرة بأنه عبارة عن (ماسورة)، ليُدَلّ على سوء لعبه، أو تدّني مستواه في اللعب.!

(2)

من مرادفات كلمة (ماسورة) مصطلحاً آخر وهو (الطاقية)..! وكذلك قد تسمع ثُلةٌ من القوم يقولون:

- الزول ده بتاع طواقي.!!

أي أنه يضع (طاقية ده .. في راس ده)، وكلمة طاقية – حسب اجتهادي الشخصي – تُطلق على من اشترى شيئاً بالأجل- سيارة وما نحوها- وهذا الأجل تم استدانته من شخصٍ اقترضه من آخر، والآخر هذا قد يكون استلفه من البنك الذي رهن له قطعة أرض في الحلفايا أو ما يقوم مقامها)، وإذا لم يدفع الأول ثمن السيارة لأي سبب من الأسباب، يكون كل من خلفه قد (لبس طاقية)، يتسع ويضيق مقاسها على حسب سعر الشيء الذي تم شرائه.!

هذا هو التعريف والله أعلم.!

(3)

غالباً ما ترتبط كلمة (ماسورة) و(طاقية) بـ (السماسرة)، وهؤلاء لا يحتاجون إلى تعريف، ولكن للمعرفة فقط، السمسار: هو الطرف الثالث أو الوسيط الذي يشارك في تعريف البائع بالمشتري والحصول علي عمولة في مقابل ذلك، وكثير من السماسرة (بتاعين مواسير) وبارعين في (تلبيس الطواقي) بمختلف أحجامها، منهم من يتقّ الله حق تقاته، ومنهم من هو ليس بذلك، وإذا قادتك الخطى إلى دلالة سيارات ووقفت بالقرب من سيارة ما، صدفة لا قصدا، يأتي إليك أحد السماسرة يلبس عِمة ناطحة سحاب، ويخاطبك بـِ لهجة الواثق من قوله:

- والله يا ابن العم العربية دي شركة من الصدّام لي الصدّام .. ودي بوهية بلدها .. ولساتكا لي هسي (تيوبلس).. والمكنة استاندر فوق تحت .. يعني بالعربي كده ما اتفكّت قبل كده ..!! أها يا ود أخوي تشتري ..؟؟!

يقول قوله هذا، وقد تكون السيارة تم فكّها وإعادة تركيبها كذا مرة، وقد تكون عجلاتها حفيت من الدوران، ومقاعدها بليت من كثرة امتطائها، أما المكنة .. فـ لله درّها، أدخل فيها عشرات الميكانيكية وتلامذتهم أياديهم ومفاتيحهم الإنجليزية والبلدية، وإذا سألت السمسار عن ضربةٍ شكلت انبعاجاً أنيقاً بالقرب من المصباح الأمامي، قد يرد عليك بثقة:

- دي ما ضربة حادث ياخي .. أصلو ود سيد العربية سرق المفتاح .. وكان داير يطلع بيها من البيت .. وقام صدم الباب..!!

إجابة مقنعة بالطبع، في حين أن الضربة قد تكون ناتجة عن اصطدام السيارة بـ دفار ماركة جامبو، يحمل على ظهره عشرة أطنان من الأسمنت المستورد..!

(5)

حكي لي أحد المعارف أنه اشترى سيارة (شلّعوها المكانيكية، وشكّروها السماسرة) حتى تخيّل أنه يمكن أن يشارك بها في سباق (الفورملا ون)، وينافس بها حامل اللقب، توقفت السيارة في اليوم التالي مباشرة..!! وعندما أحضر الميكانيكي الذي فتحها وعبث في (اللديتر) قليلاً، ثم انبطح تحتها، وخرج بعد نصف ساعة وهو يخرط في عرقه قائلاً في لهجة قنعانة:

- عربيتك دي يا استاذ دايرة عَمْرة..!!

وتكلفة العَمَْرة قد تشتري له ركشة استعمال خفيف.. أها في ماسورة أكبر من كده ..؟!

(6)

أكرر مرةّ أخرى أنني لا أعني كل السماسرة، وليس كلهم يفعل هذا، فما سبق عبارة عن نماذج ليس إلاّ، وهذا هو الانطباع السائد لدى الناس في فهمهم للسمسرة عموماً، وأضيف أن السماسرة أذكياء جداً، ولديهم دبلوماسية يحسدهم عليها الدبلوماسيين أنفسهم، فـ السمسار لديه مقدرة مذهلة على الإقناع، فهو يمتلك موهبة إقناعك بـ تبديل سيارتك بـ(شوال سفنجات) و(عجلة رالي) و(حمار مكادي)..!!

(7)

السمسرة لا تكون في السيارات فقط، هناك كذلك قطع الأراضي التي يتعّرض الجاهل فيها للكثير من (المواسير)، قد تشتري قطعة أرض بواسطة سمسار ما، لتكتشف فيما بعد أن لها أربعة أصحاب أتوا كي يطالبوا بحقهم بعد أن كدت تصل في بنائها للسقف، أو قد تجدها مملوكة لخمسة عشر وريثاً منهم من كان مختفياً لربع قرن في الخليج، ثم ظهر فجأة ليطالب بحقّه في ورثة المرحوم.!

وهناك كذلك سمسرة الموبايلات، وهذه (مواسيرها) خفيفة ولكنها مؤلمة، قد يدخل لك أحدهم وسيطاً لشراء موبايل تراه من الخارج جديداً لامعاً ومصقول عوارضه، يشكّره لك السمسار، ويحلف لك بـ الطلاق والجزيمة والقسيمة بأن هذا الموبايل لم يتم فكّه بتاتاً، وبعد يوم واحد يقودك الموبايل إلى مراكز الصيانة، لتكتشف أن بطاريته تالفة، وشبكته معطلة، وصار في يدك آلة صماء لا تنفع ولا تضر.!

(8)

أختتم قولي بأن السمسرة من المهن الشريفة، إذا جانبها الغش والاحتيال والخداع، ولا بد في السمسار من أن يكون خبيراً فيما يتوسط فيه بين البائع والمشتري، حتى لا يضر واحداً منهما بدعواه العلم والخبرة وهو ليس كذلك.

ولا بد أن يكون أميناً صادقاً، لا يحابي أحدهما على حساب الآخر، بل يبين عيوب السلعة ومميزاتها بأمانة وصدق، ولا يغش البائع أو المشتري،وقد نص جمع من الأئمة على جواز السمسرة، وجواز أخذ الأجرة عليها، والنسبة والأجر تتحدد حسب الاتفاق بين البائع والمشتري والسمسار، فـ للسمسار أن يتقاضى أجرًا من البائع فقط أو من المشتري فقط أو من البائع والمشتري معًا، وهذا يرجع إلى الاتفاقِ بين السمسار والطرفين فـ (المسلمون عند شروطهم) كما قال نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وذلك على ألا يكون في الأجرِ مغالاة أو ضرر للطرفين: البائع والمشتري، أي يكون مما جرى عليه العرف وتعارَفَ عليه الناس.

0 التعليقات:

إرسال تعليق