الخميس، 7 يناير 2010

في ضيافة أشهَر نقناقة في المجرة..!

(1)

في ذلك الكوكب الذي يبعد عن أرضنا آلاف السنين الضوئية، كانت تعيش فيه كائنات تشبهنا في كل شيء، إلاّ أن اختلافهم الأساسي عن خصائصنا كان في عاداتهم الغذائية، فهؤلاء القوم يقتاتون على الكلام!! نعم .. إنهم يأكلون (النقة) !! يجلس كل واحد مع الآخر ثم ينقنقون، بعد خمس دقائق ينصرف كل منهم شبِعاً يتحسس كرشه الممتلئ بتلذذ!

(2)

هذا الكوكب أهله يطلقون عليه اسم (زاكروز). شعب (زاكروز) بدأ يصيبهم داء غريب كاد أن يقرضهم كلهم، هذا الوباء هو داء (الصمت!)، نعم.. أصبحوا يتبكمون واحداً تلو الآخر، وهذا يعني لهم مجاعة قد تبيدهم عن آخرهم، لذا ما تبقى من سكان (زاكروز) خطط للهجرة من هذا الكوكب الموبوء، وبأجهزتهم المتطورة بدءوا يفحصون في الكواكب والمجرات بحثاً عن كوكب يمتاز أهله بـ النقة حتى يحلّوا لهم مشكلة الوجبات هذه، وفي أثناء بحثهم عثرت أجهزتهم على كوكب تشع منه الكثير من (أشعة النقة) أطلقوا عليه اسم (نقة – 1)، لأن هذا الكوكب بالذات سكانه نقناقون إلى حد بعيد، وحسب ترتيبهم بين الكواكب فهم أكثر شعب نقناق في المجرة! لذا وقع اختيارهم على هذا الكوكب ليهاجروا إليه.

(3)

أسرج سكان (زاكروز) حميرهم الفضائية – بلا مؤاخذة فقد كانت هذه الحمير هي وسيلتهم للتنقل بين الكواكب والأجرام – ثم اتخذوا قرار الهجرة الجماعية إلى كوكب (نقة-1) ولكن الوباء لم يمهلهم طويلاً، إلتفت عليهم بالساحق والماحق فأبادهم عن بكرة أبيهم، جميع السكان (جت عليهم) انقرضوا، لم يفضل منهم ولا حتى نفاخ النار، ما عدا رجل واحد وزوجته هما فقط من استطاع النجاة من الوباء القاتل، وضربا أكباد حميرهم الفضائية صوب كوكب (نقة-1) الذي يسميه أهله بـ (كوكب الأرض)!.

(4)

استغرقت الرحلة سنة كاملة كان فيها (رابون) وزوجته (سالكا)، وهما من نجا من الوباء ينقنق كل منهما للآخر في كل وجبة، لاحت لهما الأرض من بعيد.. اقتربا منها أكثر، وارتفعت لديهما مؤشرات جهاز النقة إلى حدودها القصوى، فجذب كل منهما لجام حماره الفضائي ليتريث قليلاً، فمن الواضح أن سكان هذا الكوكب نقناقون أكثر من اللازم، فمن فوق الغلاف الجوي لاحت لهما بقعة صغيرة مضيئة تشع منها الكثير من أشعة النقة حتى أن جهاز (النقناقومتر) عجز عن قياس مداها، إلتفت (رابون) نحو زوجته (سالكا) وقال لها بلغة كوكب (زاكروز): ( شُفتى المكان المولع داك .. أرح عليهو، الظاهر ده أكتر موقع فيهو نقة في الكوكب ده)، ثم إتجها نحو ذلك المكان الذي سيكون بالنسبة لهما مطعم مجاني يكفيهما طول العمر، فالنقة مع زوجته طوال الرحلة أصابته بالهزال نسبة لاعتماده على وجبة واحدة لسنة كاملة، كانت تلك البقعة المضيئة تقترب .. وتقترب وجهاز (النقناقومتر) ترتفع إشاراته، وعندما اقتربا أكثر من ذلك المنزل أطلقت أجهزة قياس النقة صفارة طويلة ثم انفجرت وتطايرت أجزائها (حتة حتة)، حتى أن (سالكا) كادت أن تقع من حمارها وهي تغمغم بخوف (الله استر)!.

هذا المكان الذي تشع منه كل هذه النقة لم يكن سوى بيت (كلتوم بت فرج الله ود الرضي)، أكثر امرأة نقناقة على امتداد المجرة، بل هي السبب الرئيسي والمباشر في أن تلتقط أجهزة قياس النقة نقتها التي تجاوزت الفضاء ووصلت حتى كوكب (زاكروز).!!

(5)

حط (رابون) وزوجته رحالهما خلف بيت (كلتوم بت فرج الله) وربطوا حميرهم واستراحوا من وعثاء السفر و(المساسكة) بين الكواكب والأفلاك، وفي وجبة العشاء التصقوا بطرف حيطة (كلتوم) حتى يتعشيا من نقتها مع زوجها (حاج عباس)، ومن حسن حظهما وجدا (شكلة) جاهزة مع زوجها بسبب تيس ذبحه لبعض الضيوف، وتناهى لـ (رابون) وزوجته صوت كلتوم وهي تنقنق في زوجها بصوت عالي وصراخ يصم الآذان:

- (إنت يا راجل إنت أسمعني هنا .. ضابح تيسي مالك .. ضريتني في التيس يضربك انشا الله الضريب شقاق العناقريب، يعني ما شفت غير التيس ده تضبحو، يضبحوك يا الله من الأضان لى الأضان.)

- (يا ولية اتق الله.. ديل ضيوف قلت يعني يضوقو خيرنا .. )

- (يضوقك التمساح آ يابا .. خلاص يعني من كرمك الفياض، دي ما ياها الويكة راقدة واللوبا ما يديك الدرب .. غالبك تملٍّح ليهم .. شاحدة الله تنزل فيك صاقعة تريحني منك ومن عمايلك. )

- (لا حول ولا قوة إلا بالله .. الله يلزمنا معاك الصبر.)

- (تصبر إنشا الله في النار، أوعاك تاني تضبح حاجة لي زول، ولا حتى الجدادة الحايمة دي ما تهبشا، يهبشك الدبيب الــ … )

يقاطعها بحدة :

- (كفاية يا مره كرهتينا العيشة، إنتي ما بتعرفي حاجة غير النقة؟!)

ثم يخرج غاضباً ويصفق خلفه الباب بعنف وتركها تنقنق لوحدها.

(6)

على الجانب الآخر كان (رابون) و(سالكا) قد انبطحا على الأرض وبطونهما انتفخت بشكل عجيب، خاطب رابون زوجته وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة:

- ((سالكا) .. آآآخ .. بطني .. الناس ديل بكتلونا شبع ساي.)

تجيبه بصوت خرج متحشرجاً:

- (ديل شنو النقناقين ديل؟! المره دي في كوكبنا تشبع حلة كاملة!)

تحامل (رابون) على نفسه واعتلى ظهر (حماره الفضائي) وهتف بزوجته:

- (سالكا).

- (أيوه.)

- (قومي أرح.)

- (نمشي وين؟!)

- (نرحل كوكب تاني ناسو يكونوا ما نقناقين قدر ده!)

- (كدي نصبر شوية.)

- (لا .. لا كان قعدنا هنا يوم واحد بنطرشق!)

وكز (رابون) حماره وخلفه زوجته وهما يبتعدان عن كوكب الأرض و(سالكا) من خلفه تطنطن في إحباط :

- (ناس الكوكب ديل عايشين كيف مع المره النقناقة دي؟!.)

0 التعليقات:

إرسال تعليق