الخميس، 7 يناير 2010

يا عزيزي … كلنا ذلك الورلْ..!

(1)

في تلك القرية المتاخمة للنيل، كانت تسكن (النعمة)، هي ومعها بنتها (سلمى)، حيث توفى زوجها وسلمى في سنوات عمرها الأولي، (النعمة) كانت تعيش من الدخل القليل الذي يدره لها ذلك الحمام الذي تربيه في قفص صغير داخل بيتها، حيث لم تكن تقبل إي إعانة من أي شخص كان، وفي هذا قد أحرجت الكثيرين.

(2)

الكل يعرف أن النعمة امرأة صارمة وخبيثة وشخصيتها قوية، وعلى الرغم من ذلك كان الكثير من أهل الحلة شباباً وكباراً على أعتاب الكهولة؛ كانوا يتوددون إليها كلما حانت لهم فرصة لذلك، إذا وردت للنيل لتحضر لها مياه؛ يتدافع نحوها ثلاثة شباب ليحملوا عنها (الباغة)، وكان (حسان) يتبرع لها بتنظيف قفص الحمام، و(بابكر) يحمل عنها أعواد الحطب الذي فزعت له، و(ماجد) سخّر نفسه فصار يبيع لها الحمام في سوق القرية الصغير، ويأتي بـ(التوريدة ) في نهاية اليوم.

طبعاً كل هذه الخدمات المقدمة لـ (النعمة) لم تكن من أجل عيونها العسلية، كل هذا كان من أجل (سلمى).!

(3)

نعم.. (سلمى) أجمل جميلات الحلة و(الحلاّل) المجاورة، ما من صغير أو كبير رآها حتى أصابه سهماً من لحظها فأرداه صريعاً لجمالها الفتان، الكل أصبح يهتف باسمها ويضرب بها الأمثال بمناسبة وبدونها، و(النعمة) كانت تدرك هذا جيداً، بل واستغلت الموقف لصالحها، فأصبحت كل الحلة تحت طوعها.

(4)

قررت (النعمة)أن تلقن أهل الحلة درساً لن ينسوه مدى حياتهم، في ذلك اليوم ذهبت لـ (عوض الجيد) سيد الدكان لتشتري لها بعض الحاجيات، وفي أثناء ذلك قالت له:

- والله يا عوض الجيد الأيام دي لامة فيني مصيبة كبيرة ..غايتو الله يحلنا منها ساي.!

وضع عوض الجيد (عبّار) السكر جانباً، و(شنّق طايقته) وقال لها بلهفة:

- مصيبة شنو كفلّ الشر .. قوليها ليّ .. وحاتك هسّع دي أحلها ليك وأجيب ليك خبرا.!؟

قالت (النعمة) بلهجة مسكينة:

- الورل آ عوض الجيد .. الورل أكل بيض الحمام بتاعي كلو .. ما خلى بيضة حايمة..!

ثم أردفت بغيظ مفتعل:

- أحيييي أنا من الورل ده .. أكان لميت فيهو إلاّ أفش غبينتي دي.!

قال لها (عوض الجيد) وهو يكفكف أكمام الجلابية ويبرم شنبه:

- ها آ النعمة … مشكلتك محلولة تب .. علىّ الجزيمة ما الورل .. هسّع أجيب ليك خبرو .. وأكرّو ليك من ضنبو.

قال كلامه وهو يفتح طِبل الدكان تهيؤاً لإقفاله، وتحركت النعمة نحو بيتها وهي تضحك في خبث، و(عوض الجيد) يقول لها من وراء ظهرها بصوت عالي:

- أها آ النعمة .. علىّ القسيمة من دربي ده على البحر طوالي .. هلاّ هلاّ آ الورل .. جاك أب شنب.!

(5)

(النعمة) لم تكتف بـ (عوض الجيد) فقط؛ بل ذهبت إلى (فضل السيد) سيد الطاحونة، وأخبرته بموضوع الورل، أوقف محرك الطاحونة، وأغلق أبوابه، ثم رأساً إلى النيل، علّه يعثر على ورل يرفع به قدره أمام سلمى.

كذلك ذهبت (النعمة)إلى (بشرى الجزار)، وأبلغته الخبر، فأخرج سكاكينه كلها، وأدخلها في جوال صغير ومعها ساطور اللحمة وطرد الزبائن متوجها نحو النيل، وهو يمني نفسه بـ ورل يعلى به شأنه في عيني سلمى.

(6)

في ظرف ساعة واحدة كل الحلة عرفت موضوع ورل (النعمة)، أُقفلت كل الدكاكين، توقف الفرن عن إنتاج الرغيف، صمت صوت الطاحونة الوحيدة في الحلة، خلت البيوت من الشباب، الكل شد الرحال نحو النيل، ليصطاد ذلك الورل المزعوم، منهم من تمنطق بـ عكاز،ومن يحمل سكيناً، وآخر ساطوراً، ومنهم الذي (شالتو الهاشمية)، فخرج بدون تسليح، وفي نيته أن يفتك بـ الورل بيديه العاريتين.

(7)

في ذلك اليوم امتلأ شاطئ النيل بالبشر، الكل خرج ليصطاد الورل، منهم من حفر الرمال، ومن غاص في أعماق النيل، المهم.. في نهاية اليوم، والشمس تميل للمغيب، رجع أهل الحلة من الشاطئ، الكثيرين منهم وفّقوا في اصطياد ورل، والآخرين عادوا خائبين يلعنون حظهم العاثر، توجهوا جميعهم - من وجد ورل، ومن لم يجد - نحو بيت النعمة، وطرقوا لها الباب طرقاً عالياً، فخرجت وهي تحدق فيهم بدهشة، ثم قالت:

- شنو آ ناس .. انشا الله خير؟؟!!.

أجابتها الجماهير المحتشدة أمام الباب بصوت واحد:

- أها آ النعمة جبنا ليك الورل !.

ورموا أمامها أكثر من ثلاثين ورل، بمختلف الأحجام والأوزان، منها من خرج من البيضة لتوه، ومنها ما عمّر شهوراً.

نظرت النعمة إلى مجموعة (الورول) بإندهاش ثم قالت:

- لكن آ جماعة الواطة مغربت، أنا هسع أعرف كيف الورل الأكل بيض الحمام، كدي يا جماعة تعالوا بكرة .. صباحاتا بُيُض.!

تصدى لها (المضمون ود الفضل) قائلاً:

- صباح شنو آ النعمة .. حررّم هسع نجيب رتينة نضوي بيها.

ذهب المضمون لجلب الرتينة ويتبعه بعض القوم، فأتوا بحوالي عشرين رتينة أحالت الظلام إلى نهار.

قلّبت النعمة بصرها في الورول وقالت:

- بري يا اخواني .. الورلات ديل كلهن صُغار .. الورل الأكل حمامي كبير!.

(8)

أصبح الصباح وكررت الحلة نفس برنامج الأمس، للفوز بـ ورل أكبر حجماً، كان المضمون أكثرهم حماساً.

في منتصف النهار عاد الجميع، بـ ورول كبيرة الحجم، كانت النعمة تنظر إليها باستهجان، وفي هذه اللحظة وصل (المضمون) وهو يحمل على حماره شيئاً كبيراً، ورماه أمام النعمة، فأطلّ عليهم هذا الشيء بخياشيمه وأسنانه الكبيرة، وقال مضمون ونفسه يعلو ويهبط:

- أها آ النعمة .. جبت ليك تمساح عشاري عديييل!.

0 التعليقات:

إرسال تعليق