الخميس، 7 يناير 2010

حكاية زول قرر أن يلحق حد التكنولوجيا.. فلحقت حده …!!

(1)

الأستاذ حسون، يحب التكنولوجيا كثيراً، على الرغم من دخله المحدود، حيث أنه يعمل معلماً في مرحلة الأساس، فهو يحب دائماً أن يحيط نفسه بآخر ما توصلت إليه الأجهزة الحديثة، وحتى أن سقف راتبه المتواضع لم يكن يحد من شغفه الزائد من هذه الهواية، فكان يعيش وسط مجموعة كبيرة من الأشياء، ثلاثة أجهزة استقبال للقنوات الفضائية، جهاز كمبيوتر شخصي، وآخر محمول، ساعة حائطية غريبة الشكل، مسبحة إلكترونية، مصلاية بها بوصلة، جهاز قياس درجة الحرارة، وجهاز عداد خطوات يربطه في حزامه، والكثير من الأشياء الأخرى، عندما تدخل غرفته كأنك داخل غرفة مونتاج ينقصها الفريق العامل، تجده فاتحاً تلفزيوناته الثلاثة، متنقلاً بين أكثر من خمسمائة قناة، وبجانب ذلك يرتفع صوت جهاز التسجيل الذي يختلط مع صوت مادة تعمل في الكمبيوتر المحمول، مع كل هذا يقرأ مقالاً في صحيفة ممسكاً إياها بيسراه، ويستطيع أن يوفق بين كل هذا الزخم بخبرة كبيرة، حيث يرفع صوت تلفزيون ليخفض صوت جهاز التسجيل، كمخرج تلفزيوني محترف.

(2)

متابعته لآخر أخبار أي شيء سببت له الكثير من المتاعب، أحياناً يسمع أن القهوة تسبب ارتفاع ضغط الدم، فيتركها، تصادفه دراسة أخرى تقول القهوة تحمي من السرطان، فيعود إليها، يقرأ في الانترنت أن أشعة الشمس بها فيتامين (د)، فيعرض نفسه لحمام شمسي يومي، فتطالعه دراسة أخرى تقول أن التعرض للشمس يسبب سرطان الجلد، فتجعله يمشى تحت (ضل الحيط) كـ (أغنام الإشلاق). هذا التضارب جعله دائماً في سباق محموم لمعرفة آخر ما سيتفق عليه العلماء في مثل هذه الأمور.

(3)

كان أكثر ما يحير الأستاذ حسون في الأجهزة الإلكترونية هو (الموبايل)، فكلما يشترى موبايل؛ يظهر آخر أحدث منه تقنية وإمكانيات، يقوم بركن القديم في الدولاب، ويشترى الجديد، إلاّ أنه في النهاية استقر على موبايل به جميع ما يشبع هوايته التكنولوجية، أعجبه موبايله الجديد كثيراً، فقد اختصر له الكمبيوتر والراديو والإنترنت والتلفزيون، فأصبح شغله الشاغل، وتجده دائماً يعبث في أزراره طوال اليوم، ولكنه بدأ الخوف ينتابه عندما قرأ في الإنترنت أن الموبايل يسبب (سرطان الرأس) عند إلصاقه بالأذن كثيراً، هذا الموضوع جعله (يلاوز) منه قليلاً، إلاّ أنه عالج الأمر باستعمال بسماعة الرأس، طالعته دراسة جديدة أخرى تقول أن الموبايل قد يؤثر على أداء مهام قلبه في حال وضعه في الجيب الأمامي للقميص، بدأ الفأر يلعب في عب الأستاذ حسون ، ولكنه استدرك الأمر بأن رَبطه في حزامه، واستراح لهذا الحل، فالموبايل في مكانه هذا يبعد عن الرأس والقلب، إلاّ أنه وفي أثناء مشاهدته لأحدى وردت معلومة أن الموبايل عندما يربط بالحزام يكون قريباً من الأجهزة التناسلية، وهذا من شأنه أن يؤثر على أطفاله مستقبلاً، إذ سيخرجون إلى الحياة بتشوهات جنينية، هذه المرة احتار أمراً، أين يضع هذا الشيء؟!.. فهذه هي الأماكن المتعارف عليها لوضع الموبايل، قرر أن يربطه في بطنه، ولكنه فكر بأنه بالتأكيد ستخرج دراسة أخرى تقول أن ذبذبات الموبايل تسبب الفشل الكلوي، والتهاب الصفراء، وقد يهيج عليه المصران، وهو على كل حال لا يستطيع أن يستغني عن موبايله، فهو الذي يصله بالآخرين، ويربطه ببقية العالم، ويعتبر امتداداً لذاكرته، به أسماء وأرقام كل من يعرفهم.

(4)

أدار الأمر في رأسه وسأل نفسه: ما هي أبعد منطقة عن الرأس والقلب والمعدة والحزام، لا يوجد غير الساق، نعم.. سيربطه في ساقه، فهذه أكثر الأماكن أمناً، وتمنى في داخله ألاّ تظهر دراسة أخرى تقول أن ذبذبات الموبايل تؤثر على فعالية (طايوق السيقان)، أو أنها تجفف ماء المفاصل، وفي هذه الحالة سيرميه في أقرب كوشة، وهكذا ربط الأستاذ حسون الموبايل بساقه داخل الشراب، كان إذا أتته مكالمة يرفع البنطلون ويكفكفه حتى الركبة، بل ويفعل ذات الشيء مع الرجل الأخرى، ويمشى وسط السوق وهو يكلم محدثه بتلك السماعة الممتدة من الساق حتى الأذن، فمن يراه يظن أنه في طريقه لخوض مياه (حدها الرُكب)، ولكنه لا يهمه كلام الناس ما دامت ذبذبات الموبايل بعيدة عن رأسه وقلبه ومعدته وأبناءه في المستقبل.

(5)

في يوم ما وعندما كان الأستاذ حسون نازلاً من الحافلة التي أوصلته للسوق، وأثناء نزوله اندفع أحد الركاب (الشفقانين) لحجز مقعده قبل البقية، ومع اندفاعه ضرب الأستاذ حسون في ساقه ضربة قوية تعادل ركلة جزاء في نهائي كأس العالم، وحدث أن صادف (قدوم جزمته) شاشة الموبايل الذي يضعه حسون في ساقه، فـ(دشدشها) لعشرات القطع غير المتساوية، طبعاً لا يستطيع أن يلوم الرجل في هذا الأمر، فما من عاقل يتخيل أن يوضع موبايل في هذا المكان، اضطر الأستاذ حسون إلى تغير شاشة الموبايل، وبالمرة ربطه بخلف ساقه، واعتبر أن هذا المكان مناسباً، ولن تصله أقدام الجماهير الطائشة.

(6)

في ذلك اليوم والشمس تميل للغروب ذهب الأستاذ حسون برفقة موبايله لشاطئ النيل وهو يستمع لإحدى الإذاعات عبر راديو الموبايل، أراد أن يخرج من صخب الحياة، وضجيج السيارات والبشر، اتكأ على الرمال الناعمة، وأمسك بقشة وأخذ يعبث بها في الرمال، وهو يفكر اللاشيء، وفجأة، تناهى إلى مسامعه صوت المذيعة في إحدى البرامج العلمية وهي تقول: ( وتوصلت الدراسة إلى أن ذبذبات الموبايل يمتد تأثيرها حتى مدى ثلاثة أمتار، وتؤثر على دقات القلب، وتضعف الذاكرة، وتغير وظائف الكبد، وتضعف النظر …) فلم ينتظرها حتى تكمل التقرير، وهب من مكانه، وأمسك بالموبايل (مسكة سفنجة)، وقذفه بكل قوته في اتجاه النيل، وانتظر حتى سمع صوت ارتطامه بالماء، واستدار راجعاً، وهو يطنطن في ضيق:

- ( يلا بلا تكنولوجيا .. بلا زفت).

0 التعليقات:

إرسال تعليق