الخميس، 7 يناير 2010

أزمة الخيال العلمي في السودان

(1)

من خلال تجربتي القصيرة في عالم الكتابة اكتشفت أن القارئ السوداني - ليس كلهم- لا يحب (كتابات الخيال)، بل ويعتبر هذا النوع من الأدب عبارة عن (شطحات) و(نطحات) لا فائدة منها ولا تخدم الرأي العام بـ شيء، ويُحبّذ أكثر الكتابات السياسية والرياضية ويتقبّل الاجتماعية على مضض، وهذا لمسته عبر تجربتي الخاصة التي تعبر عن رأيّ الخاص، ولا يمكن تعميمها على كل القراء، فـ هنالك أزمة حقيقية في قراءة وكتابة (أدب الخيال العلمي) في السودان، وهذه مشكلة تجدها في القارئ العربي عموماً وليس عندنا فحسب، وفي إحصائية حديثة وُجد أن أدب الخيال العلمي يحتل 56% من قراءات الأوروبيين، و 67% من قراءات الأمريكيين، و 41% من قراءات السوفيت، في حين لم يحتل أدب الخيال العملي سوى 9.5% من قراءات العرب .. للأسف.!

(2)

لست أدري لماذا لا يوجد عندنا في السودان من يكتب في أدب الخيال العلمي؟ أتمنى أن يكون في بلادنا كاتب بقامة (د. نبيل فاروق)، الذي قرأتْ له أجيال عدة من المحيط إلى الخليج، وأصبحت له مدرسته الخاصة جدًا والمتميزة في كتابة الخيال العلمي، و(د. رؤوف وصفي) الذي نال جائزة الثقافة العلمية كأفضل كاتب علمي من أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بـ مصر، و(نهاد شريف) رائد أدب الخيال العلمي في الوطن العربي، وبعض أدباء الخيال العلمي من العرب الذين لن تجد فيهم أديباً سودانياً واحداً يكتب في هذا المجال، وأتمنى أن أكون على خطأ ويوجد كاتب (خيال علمي) سوداني لم أسمع به، فـ هذا النوع من الأدب عندنا مهجور تماماً، حتى في صغرنا كنا نقرأ روايات (الخيال العلمي) في الخفاء، لأنه إذا رآك والدك أو أستاذك وأنت تمسك برواية ما؛ سيعتبر أن هذا مجرد ضياع وقت ومن الأفضل التركيز على مقرر المدرسة.! في حين أن الخيال العلمي في الدول غير العربية يدرس ضمن المنهج الدراسي، فـ ينشأ الطفل عندهم منذ صغره وهو يضع تصوره الخاص لما سيئول إليه العالم بعد مائة سنة!.

(3)

إذا نظرت للسينما الأمريكية الآن تجد أن النهج السائد فيها الآن يعتمد على الخيال العلمي، وأفلام الخيال العلمي تدر عليهم ملايين الدولارات، حتى أن ما تصدره الولايات المتحدة من الأفلام والمسلسلات عائده أكثر من عائد تجارة الأسلحة، فـ الخيال العلمي سبق التقدم العلمي، والآن الكثير من شركات التكنولوجيا استلهمت أفكار منتجاتها من كتابات الخيال العلمي.!

(4)
الكاتبة الإنجليزية (جي كي رولينغ) مؤلفة سلسلة روايات هاري بوتر، وهي روايات أساسها الخيال، مبيعات هذه السلسلة فاقت (ثلاثمائة مليون) نسخة في العالم!.. وترجمت قصص هاري بوتر بأجزائها السبعة إلى أكثر من ثلاث وستين لغة.! ومنذ أن بدأ نشرها، أصبحت رواية هاري بوتر ظاهرة في عالم النشر، وبيعت خمسة ملايين نسخة من الجزء الخامس للسلسلة خلال أربع وعشرين ساعة من طرحها في الأسواق.! وهذه الأرقام تعكس بوضوح مدى شغف القارئ الغربي بـ كتابات الخيال، أما نحن فـ لست أدري لماذا موقفنا منها عدائي، ونعتبرها نوع من الأدب الذي يقع في الدرجة الثانية.!
(5)
أتمنى أن يُنظر لـ موضوع (الخيال العلمي) بعين الاهتمام بـ توفير الكتب والمجلات العلمية المبسطة في المدارس السودانية، والرجوع إلى عهد المكتبة المدرسية، وفي ظل تدني الإمكانيات يمكن فرض كتاب على كل تلميذ، وهذا ليس بـ الأمر الصعب، ووضع خطة مدروسة طويلة المدى تعني بتدريس (أدب الخيال العلمي) في المدارس، وإقامة مسابقات لـ (قصص الخيال العلمي) بـ المدارس والجامعات.
وأن يبدأ الاهتمام بـ خيال الطفل من البيت، بعدم السخرية منه إذا جنح به الخيال وتكلم عن شيء فوق التصور، فـ تنمية مخيلة الطفل منذ الصغر لا شك أنها ستوسع مداركه وآفاقه وتجعله متقدماً على اقرأنه بفكر أكثر اتساعاً، وقد أعجبتني في هذا كلمات سطرها (البرت انشتاين) صاحب النظرية النسبية حينما قال:
- (المخيلة اكثر اهمية من التعلم).!
وكلمات أخرى دونها (جارليس كيترنغ) مخترع نظام الاشتعال الذاتي في السيارة بقوله:
- (المخيلة هي الشئ الوحيد الذي يمكن ان يحدد ما الذي يمكن ان تحصل عليه في المستقبل).
والكاتب الساخر (برنارد شو) أضاف في هذا النطاق:
- (المخيلة هي بداية الابتكار, أنت تتخيل ما تريد, ثم ترغب بما تريد، في النهاية تبتكر ما ترغبه).!

أتمنى أن يأتي ذلك اليوم الذي نجد فيه أن قراءة (أدب الخيال العلمي) ليس ضياع وقت وترفيه عن الذهن من جراء ازدحامه بـ الكتابات الجادة ومتابعة أخبار العالم التي لا تخرج عن القتل والدمار في كثير من الأحيان،

بل هو الخطوة الأول لـ لأن نأتي بجديد ، فـ الجديد لا يأتي إلا بـ الخيال أولاً.!


0 التعليقات:

إرسال تعليق